لقد قرن الله –تعالى- كل مناسك الحج بالتذكير بهذه النّعمة وكيفية شكرها والتعامل معها، فنجد ذلك في الإحرام ودخول حد الحرم، والسعي، والتروية، والذبح يوم النحر، والأكل أيام التشريق.
- الإحرام.
لمّا أحلّ الله الأنعام، استنثى من ذلك ما بينّه في كتابه الكريم وهو الميتة والدم ولحم الخنزير، وما حرمه الله من الصيد في حال الإحرام. قال تعالى: ﴿….أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: ١]. أراد الله -تعالى- أن ينبّه إلى أنَّ الأنعام في الحرم لا تُعامل كما يُعامل صيد الحرم، فإنّ الله قد نهى المؤمنين عن صيد الحرم. ولئلا يتوهم أحد أنّ الأنعام أيضًا لا تُذبح في الحرم، فقد بيّن –تبارك وتعالى- ذلك، وقال: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ﴾ [المائدة:1]. أي في الحرم وفى غير الحرم، والذي مُنعتم منه هو الصيد وحده. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج:30].
و(حرمات الله) المعروفة والتي ذُكرت في القرآن المجيد في مواضع عديدة هي الكعبة البيت الحرام، وما أحاط بها، في حدود معروفة بأنّها حدود الحرم والمشعر الحرام، والشهر الحرام والبلد الحرام، “و(الحرمة) شيء يستمدّ حرمته ومكانته وأيّة أحكام تتعلق به من تحريم الله -تبارك وتعالى- له؛ أي منعه واعتباره خاصًّا به -سبحانه وتعالى- وأنَّ المساس به كأنَّه اعتداء مباشر على حق الله -سبحانه وتعالى”([1]). فبالإحرام يدخل الإنسان في حدودٍ حرم الله فيها الصيد ومنعه من كامل التصرف في حال الإحرام، فظهرت العلاقة واضحة بين دخول المحرم حد الحرم وبعض أنواع الحصول على الطعام وهو الصيد، فلا يجوز للمحرم الصيد إلا بعد التحلل من الإحرام والخروج خارج هذه الحدود ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة:2]. وكأنَّه تدريب لهذا المحرم على الامتثال لأمر لله فيما يحل ويحرم من الطعام، وتذكير له بنعمة وجود هذه الحيوانات وتسخيرها.
- يوم التروية.
تبدأ مناسك الحج بعد الإحرام من يوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوم التروية، “ويَوْم التّرْوِية: يوْمٌ قَبْلَ يومِ عَرَفَةَ، وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الحِجّة، سُمِّيَ بِهِ لأَن الحُجّاج يتَرَوَّوْنَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ وينهَضُون إِلى مِنىً وَلَا مَاءَ بِهَا فيتزوَّدون رِيَّهم مِنَ الْمَاءِ أَي يَسْقُون ويَسْتَقُون”([2]). ورُوي عن جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النّبي -صلى الله عليه وسلم: “فحل النَّاس كلهم وقصروا إلا النّبي -صلى الله عليه وسلم- ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج” [مسلم: (2137)]. أي تحلل الذين أهلوا بالعمرة متمتعين ولم يكن معهم هديهم. فارتبطت بداية المناسك بفعل التروية وأصله الماء.
أحمد حمدين عيسى
بالتعاون مع فريق أزكى
[1] تفسير سورة الحج، طه جابر العلواني.
[2]) لسان العرب لابن منظور.