كل ما يألفه الإنسان من عادات أو أماكن أو أشخاص أو حيوانات..إلخ ، يشكّل عنده شيئا مألوفاً فعلى سبيل المثال البيت الذي يعيش فيه والأهل من أم وأب وإخوة وأبناء ، والأصدقاء كزملاء العمل ومن خارج العمل والحيوان كالقطة-مثلا- والكتاب وكرسي الجلوس، كل هذا يشكّل عنده أشياء مألوفة . لكن ماهي الألفة؟
قد يبدو التعريف بسيطاً لكنه متشعّب ومتنوّع لذا يتعقّد بعض الشيء.
يقول عباس العقاد -رحمه الله -: “إن الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا ولا صعوبة فيه إلا أنه يغير عادة من عاداتنا بفقد عزيز لدينا .” ، وبالتالي يغير ألفتنا إلى الأبد فلا يمكن وجودها بدون ذانك العزيز فهي بصمته في حياتنا ، كلامه ونبرات صوته ربما تتشابه مع إبنه لكنه الأساس الذي نرتكز إليه في القياس الذهني بينه وبين أي شخص آخر.
نخلص من ذلك أن الألفة ربما تكون صنو العادة ، موقوفة على ذانك الشخص.
إذن ما المخرج في ذلك؟
لعل أفضل ألفة يألفها الإنسان هي ألفة الحياة كلها بحلوها ومرها، فتكون بذلك عكس الملل ونحن لا نلمس في الألفة سرعة التغير والإنتقال من عادة لأخرى فلا يحلو لنا كل يوم التنزه والإجتماع بالآخرين، لكن التوطين يرسّخ بقاءنا في بيوتنا فهو – أيضا – عادة مألوفة ، ويمكن القول إن التمّكين هو أقوى عادة مألوفة لا ملل فيها بل إنها موصولة قولاً وفعلاً في أعمال يومية وسولوكياتنا المألوفة والتي لا تتغير على مدى عمرنا مادامت سلوكيات حميدة لا تنفر الآخرين منا ولاتضر بأحد ، فلأنها نابعة من التمكين الوارد في قوله تعالى: (الذين) إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر والله عاقبة الأمور) الحج / 41 ، وهذه الأعمال في التمكين هي بمثابة تكاليف ، لا يملّ الإنسان منها بل نجده مأنوسا بها لجلبها الخير له والسعادة في محور الرضا لا محور اللهاث خلف الماديات والجري في سباق محموم نحو زينة الحياة الدنيا التي لا تنتمي إلى عادة.
والألفة أو الأنس بها ،محدود ووقتي سرعان ما يصيب الإنسان الملل منها حتى لوكان في برج عاج لكنه لا يتنفس فيه نسيماً عليلاً وينشرح صدره بل ينقبض صدره ويشعر بالضنك والحيرة والخذلان فلا حول ولا قوة إلا بالله .