الدقائق الثمينة التي نقضيها في انتظار دورما.. في جهة ما ،عادةً ما تكون ثريّة إما بالذكر والإستغفار أو بقراءة آيات من القرآن الكريم أو بالتأمّل في مشاهد إجتماعية منوّعة تعكس وجوهاً متعدّدة للحياة.
أثناء دقائق الإنتظار لدوري في المستشفى ،إستوقفتني المشاهد التالية:
المشهد الأول :جلس بجانبي طفل في الرابعة من عمره يلعب بالجوّال تجاذبت معه أطراف الحديث كان حديثاً ممتعاً كما هي متعة الأحاديث مع الأطفال عرفت منه أن الجوّال لوالده الذي كان ينهي بعض الأوراق في الإستقبال. ويبدو أن الوالد كي يطمئن على بقاء طفله ساكناً ، أراد إلهائه بالجوّال.
لم أتعجب من مقدرة الطفل (ما شاء الله) على تصفّح الجوّال والإنتقال من موضوع لآخر طبعاً، فهذا المشهد ليس غريباً في أيامنا هذه فقد رأينا أطفالاً بعمر الشهور لا يأكلون أو يهدأون حتى يشاهدوا مادة مناسبة تختارها الأمهات في الجوّال وفي هذا العمر تختار الأمهات لكن كلما تقدم عمر الأطفال يكون الاختيار لهم وهنا تكمن خطورة متعدّدة الجوانب في ظل إنشغال الأهل وسهولة التعامل مع المواقع المختلفة وتوفُّر الأجهزة في أيدي الأطفال.
هذا التعلُّق المفتوح بوسائل الإتصال المختلفة وتمكُّن الصغار حتى سن المراهقة من اللعب بالتقنية والإبحار فيها بمهارة ، نتائجه السلبية تفوق إيجابياته إذا لم تُحكم السيطرة والتوعية وتُقنّن العلاقة بين الأبناء وهذه الوسائل حتى يدركوا تمييز الغثّ من السمين.
المشهد الثاني : لفت انتباهي شاب صغيرلم يتجاوز الحادية عشرة ربما واستصعب أن أقول عنه طفل لتصرفه الرجولي -ما شاء الله- كانت أمه تجلس وهو يقدم ورقة موعدها منتظماً في الطابور مرتدياً الزيّ السعودي كاملاً في الوقت الذي باتت علاقة شبابنا بزيّهم السعودي الجميل فاترة.
ذاك الطفل الناضج يقف ويتحدث بثقة الرجل الكبير ويؤشر بيده بأدب تام لأمه مطمئناً إياها أن الوضع تمام يبدو أن أمه أحسنت توجيهه ليتحمّل المسؤولية مبكراً وهي تراقبه عن كثب ، هو موقف تربوي أدهشني في هذا الوقت وأعادني لما قبل سنوات ومشاهدات في القرية حين كانوا الأهل يحرصون على غرس قيّم المسؤولية في أبنائهم وتعويدهم على القيام بمهام مختلفة وكان الصغار مهيأين لذلك في بيئة أكثر تهيئة.
المشهد الثالث :تلك السيدة التي تدفعها بالعربة خادمة افريقية تقوم بكل ما يلزم تجاهها .
تساءلت في نفسي: سيدة كبيرة أن تتولى شأنها خادمتها، بالطبع ليس في الأمر غرابة في هذا الوقت الذي انشغل فيه الأبناء والبنات عن والديهم واعتبروا أن السائق والخادمة فيهما الكفاية وفاتهم أن بعض المواقف لا يملأ فراغها غيرهم والموقف يكون أشدّ إيلاماً لو كان لهذه الأم إبن أو إبنة أو أكثر في نفس المدينة أو ربما نفس البيت .هنا لابدّ من صحوة قبل الخسارة.
وأنا في لحظات التأمل في مشاهد الحياة المتنوعة ، سمعت الممرضة تنادي باسمي فانقطعت سلسلة المشاهد عندي ، لكن الحياة بصورها ومواقفها المختلفة تظل مستمرة لا تنقطع لأنها المدرسة الأكبر.
ودمتم .
@almethag