لا يوجد إعلام محايد، بغضّ النظر عن الدرجة التي تخرّجت فيها من قسم الإعلام أو الصحافة ومن أرقى جامعة عالمية. هذه حقيقة ستعرفها عندما تنخرط في العمل في أي مؤسسة إعلامية في أمريكا، أو بريطانيا، أو فرنسا، أو بقية العالم الذي يصفونه بالمتحضّر.
لهذا السبب متابعة الحرب المستعرة خلال الأسبوعين الماضين بين مالك تويتر الجديد الذي لم يمض على امتلاكه لها بضعة أشهر والمؤسسات الإعلامية الغربية مثيرة ومسلّية لأقصى درجة وتحمل مفارقات ساخرة لا تنتهي. وتزداد المفارقة عندما نقارن هذه الحرب الدراماتيكية مع ما يحدث في الإعلام العربي. لكننا هنا في هذا المكان سنهتم فقط بالمفارقة الساخرة التي كشفها لنا (إيلون ماسك) مع الإعلام الغربي.
بدأت هذه المعركة الفكرية مع جريدة (النيويورك تايمز) العريقة التي رفضت الخضوع لابتزاز (إيلون ماسك) لدفع بضع دولارات معدودة من أجل إبقاء العلامة الزرقاء في حسابها الذي يتابعه أكثر من 55 مليون متابع. وبالفعل قام (إيلون ماسك) بإزالة العلامة الزرقاء من حساباتها المتعددة. ومازالت (النيويورك تايمز) صامدة أمام ابتزار مالك تويتر الذي أعرب في مقابلة مع (البي بي سي) عن سعادته الكبيرة في إزالة العلامة الزرقاء من حساب الجريدة في تويتر.
كما اعترضت هيئة الإذاعة البريطانية BBC على تويتر بسبب إضافة عبارة “تتلقى دعم الحكومة” لأن هذا يشكّك في مصداقيتها، لكن هذا لم يمنعها من إستضافة ماسك وإجراء لقاء عاصف معه لم يستطع فيه الصحفي في البي بي سي (جيمس كليتون) أن يأتي بمثال واحد عن الكراهية في هذه المنصّة الأمر الذي اعتبره المتابعون نصراً مؤزرا لماسك فضح فيه نفاق هذا الإعلام.
أما المواجهة الثالثة فكانت مع الإذاعة الوطنية NPR وهيئة الإذاعة العامة PBS الأمريكيتين اللتين قرّرتا مغادرة منصة تويتر بعد أن وضع ماسك أمام حسابهما نصاً يفيد أنهما تابعتان للحكومة. اعترضتا بشدة على هذا الأسلوب وتوقّفا عن التغريد حتى ساعة كتابة هذا المقال. يقول ماسك أن عليهما التخلي عن الدعم الحكومي إذا كانتا تدعيان أنهما مستقلتان.
وجاءت المواجهة الرابعة مع هيئة الإذاعة الكندية CBC التي اعترضت على مالك تويتر قائلة أن الدعم الحكومي الذي تتلقاه أقل من 70 بالمائة. كان رد فعل ماسك أن سخر منها بعد أن وضع تحت معرّفها عبارة “تتلقّى 69 بالمائة من الدعم الحكومي”!
لم تسلم المؤسسات الإعلامية الدولية من سياط ماسك حيث وصم كلاً من مؤسسة RT الروسية و Xinhua الصينية بنفس العبارة التي لا تبدو أنها مشؤومة بالنسبة للروس والصينيين حيث استمرت القناتان الإعلاميتان في التغريد دون أن تلحظا أن شيئاً جديداً أضيف على حسابهما في تويتر!
كانت هذه المعركة قبل أن يقرّر ماسك هذا الأسبوع، على نحو مفاجئ ودون أي تعليق، إزالة هذه التصنيفات والعبارات التي تكشف عن الدعم الحكومي لهذه القنوات الإعلامية. رغم خطورة هذه الخطوة التي اتخذها ماسك إلا إنها كشفت حقيقة هذا الإعلام الذي يدّعي أنه حيادي.
khaledalawadh@