جدة : البلاد
أدى المسلمون صباح اليوم صلاة عيد الفطر المبارك في مختلف أنحاء المملكة بعد أن منّ الله عليهم بصيام شهر رمضان المبارك وقيامه، حيث توافد المصلون منذ ساعات الصباح الأولى إلى مصليات العيد والجوامع التي هيئت لصلاة العيد في جميع مدن المملكة وقراها ومراكزها.
ففي مكة المكرمة أدى المسلمون صلاة عيد الفطر المبارك في المسجد الحرام وسط أجواء روحانية وإيمانية.
وأمّ المصلين معالي المستشار بالديوان الملكي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، الذي حمد الله تعالى وأوصى المسلمين بتقوى الله عز وجل.
وقال فضيلته :” ها هو المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، والبقاع الطاهرة المقدسة تمتلئ بالمعتمرين والزائرين ، وبالمصلين ، والمكبرين ، والعاكفين ، والركع السجود ، تجلت في هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية الأمجاد ، واستقبلت ، واحتفت ورعت كل من كان على أرضها رجالات الدولة وأجهزتها كل في ميدانه وموقعه يقدم ويبذل”.
وأضاف يقول فتحت المطارات ، والموانئ البرية والبحرية لاستقبال ضيوف الرحمن من المعتمرين والزائرين، وقاصدي هذه الديار المقدسة ، والبقاع الطاهرة من الصائمين والقائمين والعاكفين والركع السجود .
وأردف يقول :” عيدكم مبارك ، لكم فيه – بإذن الله وفضله – فرحتان : فرحةُ الفطر وفرحةُ لقاء الرب أما فرحة الفطر : فهي فرحة في أنفسكم ، وفرحة في مجتمعكم ، وفرحة في أمتكم فرحة النفس هي فرحة الطمأنينة ، وفرحة تمام النعمة ، وفرحة إنجاز هذه العبادة العظيمة في صيامهما ، وقيامها ، وإنفاقها ، فرحةُ البراءة من الشح والبخل ، وفرحةُ الإحسان والبر ، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال” .
أما فرحة المجتمع فهي بالتآخي ، والعون ، والاجتماع على الخير ، والبر ، والإحسان ، وسلامة الصدر ، زادكم الله إحسانا وفضلا ، وأما فرحة الأمة فهي في هذا المظهر العظيم للوحدة الإسلامية في صيامها وفطرها ، وشعارها ومشاعرها ، مع ما يرجى من الفوز العظيم برضوان الله ليعلي الله من شأنها ، ويعز أوطانها ، ويجمع على الحق والهدى كلمتها ، وينشر الخير والعيش الكريم في ربوعها ، ويحفظها من كيد الكائدين ، وعدوان المعتدين .
ومضى إمام وخطيب المسجد الحرام قائلا أيها المسلمون : مراعاة الفطر ، وملاحظة سجايا البشر خصيصة للإسلام ظاهرة ، والحياة فيها المتاعب والآلام ، والمشاق ، والمصائب ، فتحتاج فيها النفوس إلى مواقف تخفف عنها بعض هذا العناء والمعاناة ، فلا يطغى على عيشهم النكدُ والهمُّ ، والحزَنُ والغَمُّ والإسلام يحب أن يكون المسلم آلفا باسما ، مرحا خلوقا ، كريم الخصال ، حميد الفعال ، حسن المعشر ، يجمع بين الجد والمرح ، وروح الدعابة ، وعذوبة المنطق ، وطرافة الحكمة ، ضابطا أوقاتَ الجد ، وأوقاتَ المرح ، مجانبا الإفراط والتفريط .
وبين أنه من هنا فإن الإسلام لا يصادم الفطرة البشرية وحاجتها إلى المرح والانبساط ، وكلِّ ما يجعل الحياة باسطة طيبة ، متفائلة ، لا مكتئبة ولا متشائمة ، وبخاصة في المناسبات كالأعياد ، والأعراس ، وأوقات التنزهات ، والفسح ، والإجازات .
وأكد أن إدخال السرور على قلوب الناس ، وإسعادُ نفوسهم ، ورسمُ البسمة على وجوههم ، وجلبُ البهجة إلى قلوبهم أمرٌ يدركه أصحاب القلوب الصافية النقية إدخال السرور على النفوس قيمة عالية من قيم هذا الدين العظيم ، وفي الحديث : ( إن من أحب الاعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخالَ السرور على مسلم ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لقى أخاه المسلم بما يحب الله ليسره بذلك سره الله عز وجل يوم القيامة ) .
وأبان الشيخ بن حميد أن المرح والمزاح فيه إدخال السرور على القلب ، ويستعان به على التخلص من السأم والملل ، وطردُ الوحشة ، ودفعُ الهم والقلق ، وتأليفُ القلوب ، فتنشط النفوس وتتهيأ لاداء الأعمال الجادة ، والأعمالِ الصالحة ، ومن طبيعة الإنسان أنه ملول ، والقلوب إذا كَلَّت عَمِيت ، فلا بد من كسر حدة الجد والصرامة ، وما يحقق التوازن لتسيرَ الحياة ، وتتحققَ الغايات .
وقال فضيلته :” وإذا كان ذلك كذلك فليعلم أن المرح والمزاح سلوك محبب ، تنشط معه النفوس في متعرجات الحياة ومسالكها من غير إيذاء أو ضرر ، وهو الوسيلة القريبة للوصول إلى قلوب الإخوان ، وفيه حل لكثير من المشكلات النفسية ، والأسرية ، والاجتماعية ، والتربوية وكما أحل الله الطِّيب والطيبات ، والزينة والتجمل ، فقد أباح المزاح والمرح والترويح والمرح والمزُاح مباسطة على وجه التلطف والاستعطاف دون أذية ، مزاح تطيب به النفس ، وتأنس به الروح ، وتجم به القلوب ، ويرفع به التكلف ، ويَقْرُبُ به البعيد ، ويَأْنسُ به المستوحش” .
وأشار فضيلته إلى أن المزاح سنة مشروعة فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقره ، وفعله صحابته من بعده رضوان الله عليهم ، ثم التابعون ، ومن بعدهم من خيار الأمة وفضلائها.
وأكد أن الإسلام بمنهجه العدل، ونهجه القويم الرحيم قد ضبط خِطام جنح النفس للمزاح والمرح بضبط يحقق من المصالح أرجاها ، ويمنع من المفاسد أدناها وأعلاها ، فشرع من المزاح والمرح ما كان سالما من المساوئ والمعايب.
وأوضح فضيلته أن المزاح المباح ما خلا من سب الدين أو الاستهزاء بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والكذب والغيبة ، والنميمة والسخرية من الآخرين ، واتخاذه عادة يداوم عليها ، أو يكون في ترويع المسلم أو إخافته، وظهور الشحناء والبغضاء ، وايقاد نار الفتن ، مما يذهب الهيبة ، ويقطع الرحم ، ويهدم الصداقات ، ويورث حقد القلوب.
وأشار إمام و خطيب المسجد الحرام إلى العيد مناسبة كريمة لتصافي القلوب ، ومصالحة النفوس ، مناسبة لغسل أدران الحقد والحسد ، وإزالة أسباب العداوة والبغضاء إدخال السرور شيء هين ، تسر أخاك بكلمة أو ابتسامة أو ما تيسر من عطاء أو هدية ، تسره بإجابة دعوة أو زيارة.
ودعا فضيلته إلى التماس بهجة العيد في رضا الله ، والإقلاع عن الذنب ، والازدياد من صالح الأعمال ، ورضا الوالدين ، وحب الإخوة ، وصلة الرحم ، وإطعام المسكين ، وكسوة العارى ، وتأمين الخائف ، ورفع المظلمة ، وكفالة اليتيم ، ومساعدة المريض.
وفي المدينة المنورة أدت جموع المصلين صلاة عيد الفطر المبارك في المسجد النبوي، يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد الفيصل نائب أمير المنطقة.
وأمَّ المصلين إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي، الذي كبر الله تعالى وحمده على ما منّ به على المسلمين من صيام وقيام الشهر الفضيل حتى أشهدهم يوم الجوائز ليكبروا الله على ما هداهم.
وقال فضيلته: هذا العيد وكل عيد تتجدد فيه الفرحة والبهجة والألفة فقبل أربعة عشر قرنا من الزمان قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه المدينة فأضاء منها كل شيء وسما ذكرها وعلا قدرها بنبوته وكانت قبل ذلك تضج بصراعات مقيتة وحروب طاحنة وعداوات آثمة، فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتيل العداوة وأطفأ شرارة الأحقاد وألقى الجميع سلاحه، ولا عجب في ذلك فقد أنار القرآن حياتهم وهذب الهدي النبوي سلوكهم فاجتمعت قلوبهم بصورة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، فقد تحول البغض إلى حب والتخاصم إلى مودة والتفرق إلى اتحاد، وأثنى الله عليهم بقوله تعالى (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ).
ومضى فضيلته يقول إن القرآن وصف ألفتهم الطاهرة النقية الخالصة بقوله تعالى (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ),هذه الألفة التي رأينا منها عجبا في حياة الصحابة الكرام غدت قاعدة الانطلاق لبناء أمة وتشييد حضارة، وفي عهدنا الحاضر وقبل عدة عقود عاشت الجزيرة العربية حالة تفرق وتشتت نهب وسلب قرى متناثرة أنهكها الفقر والجوع في الأبدان , والجهل في السلوك, والبدع والخرافات التي لوثت العقول, حتى قيض الله عبدا من عباده على يديه توحدت الجزيرة العربية فانطلق يجوب الأرض، فتذللت له الأرض وتسهلت له السبل وتوحدت الصفوف واجتمعت الكلمة، والتحمت القرى المتصدعة، وذابت النعرات والعصبيات في بوتقة الوطن المسلم، وتحققت الألفة ومن ثم أمن الناس على أعراضهم وأموالهم ,وتشرب المجتمع عقيدة التوحيد واستجاب لنداء الإيمان وحكم الهدي النبوي في سيرته ومساره، مما أثمر انصراف الناس إلى استثمار أوقاتهم في بناء النفس وتنمية الوطن وعز الأمة وتحققت أجل مقاصد الألفة وهي بناء مجتمع قوي البنيان شامخ الأركان .
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري الثبيتي أن العيد موسم تجديد العهد بالألفة وغرس قيمها وتعزيز مكانتها ورفعة شأنها وإحياء معانيها ,أداءً للحقوق وتقوية للحمة الوطنية وتحصينا للأخلاق وشموخ الأمة، فالألفة من أسمى مقاصد العيد، وألفة التراحم بين المسلمين تستوجب استحضار أحوال المسلمين في أصقاع الأرض , و أولى الناس بزرع الألفة في قلبه والداك ,وذوو القربى أحق الناس بمعاني الألفة في العيد بالتواصل معهم وزيارتهم والبشاشة والهشاشة معهم توطد العلاقة وتصفي النفوس.