متابعات

عباس بن فرناس .. أول طيّار في التاريخ

عبد الله صقر – مركز المعلومات

تخليدا لذكرى أول شخص في العالم نجح في الطيران , شيدت بلدية قرطبة في العام 2011 جسر عباس بن فرناس على نهر الوادي الكبير ، في منتصفه تمثال لابن فرناس مثبّت فيه جناحين يمتدان إلى نهايتي الجسر، وهو من تصميم المهندس خوسيه لويس مانثاناريس خابون.
ولد أبو القاسم عباس بن فرناس بن ورداس في تاكرنا الواقعة في مدينة إزنراند أوندا في الأندلس المعروفة حاليًّا بـ “روندا” في أسبانيا.
حمل من الألقاب الكثير وأولها حكيم الأندلس , أول من حاول الطيران في التاريخ , أول رائد فضاء في التاريخ و مخترع الطيران .
ويشار إليه في المصادر الغربية باسم “أرمن فيرمان” إلا أن مصادر عديدة اكدت أنهما شخصان مختلفان نهائيا. نشأ ابن فرناس في قرطبة حاضرة الأندلس ومركز إشعاعه الفكري والعلمي، أخذ علومه الأولى في مجالس مشائخها، ثم اتجه إلى دراسة الأعشاب والنباتات وخصائصها الداوئية والصيدلانية، ثم
تعددت خبراته و علمه في الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء. كما اشتهر بمحاولته المشهورة للطيران، إذ يعدّ أول طيّار في التاريخ.
عباس سبق الأخوين رايت
ظهرت أول دراسة حديثة حول اكتشاف أول محاولة للطيران في أوربا، من خلال بحث علمي كتبه أستاذ التاريخ الأمريكي “لين هوايت”، وتم نشره في مجلة التكنولوجيا والثقافة (المجلد 2- العدد 2) عام 1960م:


“ان أضخم وأجرأ تجربة علمية للطيران هي تجربة ابن فرناس؛ إذ لم تشبها أية شائبة من خرافة أو خيال، وإنما تتصف بالمنهاجية العلمية بكل المقاييس. وإضافةً لذلك، فإن تجربة ابن فرناس، قد صار تطبيقها وفق نظريتين علميتين وضعها العالم المسلم الشهير، ما زال يؤخذ بهما إلى هذا اليوم في مجال الطيران”.
ولكن مما يؤسف له أن كُتّاب الموسوعات الحديثة عن الإنجازات العلمية إذا تعرضوا لتاريخ الطيران، ينصفون الأخوان رايت في موسوعاتهم، لكنهم ينسون أو يتناسون منزلة المخترع المسلم عباس بن فرناس التي إحتلها في التاريخ والذي أحرز قصب السبق في الطيران قبل الأخوين رايت ب 1028 عاماً.
يقول بن سعيد في ذكر ابن حيان عن ابن فرناس إنه نجم في عصر الحكم الربضي، ووصفه بانه حكيم الاندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون، وكان فيلسوفاً حاذقاً، وشاعراً مفلقاً، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك بها كتاب العروض للخليل، كثير الاختراع والتوليد، واسع الحيل حتى نسب إليه عمل الكيمياء، واحتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرصافة، واستقل في الهواء، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة».
يعتبر عبّاس بن فرناس صاحب السبق في الطيران، فقد اعترف كثير من علماء الغرب بأنّ عباس بن فرناس هو أوّل من اخترع آلة طيران والتي كان قد استوحى فكرتها من قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَـنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) الآية 19سورة الملك. فقد فهم ابن فرناس هذه الآية الكريمة، وعرف أنّ أجنحة الطيور هي التي تُمكّنها من الطيران، وتُثبّتها في الجوّ. فبدأ بصُنع آلة طيران تعمل على هذا المبدأ، وهو بهذا سبق كلّاً من الجوهري، وليوناردو دا فينشي، والأخوَين رايت.

نظرية ابن فرناس والطيران الشراعي
خلاصة النظرية العلمية للطيران عند ابن فرناس، أن الجسم وما يحمله لا بد أن يكون خفيفًا للتغلب على الجاذبية الأرضية. فعندما يلقي بنفسه مندفعًا للأمام من شاهق، فسيحمله الهواء على متنه، وهذه النظرية يقوم بتقليدها وتطبيقها اليوم الكثير من هواة الطيران، فيما هو معروف بالطيران الشراعي المجنح الخفيف. ويمارس هذا الطيران على نطاق واسع ومن فوق أماكن مرتفعة وفق نظرية ابن فرناس نفسها، مع إجراء تعديل طفيف عليها بتركيب الذيل للآلة الحديثة


عصر جديد في الأفق بعد التجربة
وظّف ابن فرناس إلمامه بالعلوم الطبيعية والرياضيات والكيمياء لدراسة ثقل وخواص الأجسام ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلقت في الفضاء.
كان عباس بن فرناس قد سبق تلك التجربة بدراسة حركة الطيور وأجنحتها وكيف ترتفع في الجو ومن ثم أجرى العديد من العمليات الحسابية في هذا الإطار، من حيث الأوزان والسرعات والرياح وغيرها من المسائل الدقيقة إلى أن صنع الرداء الكاسي الذي قام بلباسه وطار به وكان قد صنعه من الريش وحوله الأكمام، ليشبه في شكله الجناح.
قام ابن فرناس بتجربته في الطيران بعد أبحاث وتجارب عدة، وقد قام بشرح تلك الأبحاث أمام جمع من الناس دعاهم ليريهم مغامرته القائمة على الأسس العلمية.
عزم ابن فرناس على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه، فصنع لنفسه الرداء والمكسو بالريش والذي اتخذه من الحرير الأبيض لمتانته وقوته، وهو يتناسب مع ثقل جسمه في عام 875 ميلادية، بعد ان غطى الأجنحة بالحرير، ثمّ حلق في أوّل محاولة طيران ناجحةٍ أمام جَمعٍ من الناس،
قام بالقفز من مكان مرتفع ونجح فعليًا في التحليق لبعض من الزمن، لكن إغفاله لأهمية الذيل في عملية الهبوط أدى لسقوطه وإصابته في الظهر، وقد تعافى وعاد ليواصل حياته تاركا تجربة جديرة بالنظر
بقيت تجربة ابن فرناس علامة فارقة ألهمت الكثيرين ليواصلوا هذا المشروع الهام في سبيل أن يرتاد الإنسان آفاق الفضاء ويصنع الطائرات الحديثة والمسبارات الفضائية.
تُوفِّي عبّاس بن فرناس في قرطبة عن عُمر بلغ 77 عاماً، ويُشار إلى أنّ عباس بن فرناس لم يمت نتيجة سقوطه أثناء محاولته للطيران كما اشيع عنه ذلك، وإنّما عاش بعد ذلك حوالي 12 عاماً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *