مكة المكرمة : البلاد
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله والسعي في تحصيلها والتماسها، واستضيئوا دوماَ بنبراسها، تلِن لكم القلوب العَصيِّة بعد شِمَاسها، وتُحقَّق لَكم السعادة العظمى في أطْراسها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً~يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام تتفيأ الأمة ظلال هذه الأيام المباركة في العشر الأواخر من رمضان بخيراتها ونفحاتها وبركاتها فهنيئاً للأمة بلوغ العشر الغر ومبارك عليها عشرها الزُّهر ومع ذلك فهذه أيام شهركم تتصرَّم، ولياليه الشريفة تتقضَّى، شاهدة بما عملتم، وحافظة لما أودعتم، وسُرْعَان ما تَبَدَّى لَنَا ثُلُثه الأخير، وقدْ تَصَرَّم جُلُّه، ولم يَبْقَ إلاَّ نَزْرُه وقُلُّهُ، بل أيَّام على الكَفِّ تُعَدّ، فحيهَلاً بِمُستزيدٍ لا يُرَد، نسْأل الله قبول العمل، وبُلُوغ الأمل في المُفْتَتَحِ والمُخْتتم.
وأكد فضيلته أن العشر الأواخر الغرر من رمضان مَعِين ثرَّار للمتنافسين، ومنهل بالتّقى عَذْبٌ يَرِدُه العُبَّاد المُتسَابقون، كيف وقد كان هَدْيُه فيها أعظم الهدي وأكْمَلَه، وأزكاه للنَّفس وأعظمه، فَعَن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَجْتهِدُ في العَشر الأواخِر ما لا يَجْتهِدُ في غيره” (متفق عليه)، وفضْلاً عَنْ الجِدِّ في العِبَادَة والاجتهاد، واطِّراح الإرْوَاد، يعْتزِل النِّسَاء، ويوقظ أهله لِشهود لَيَالِي المغفِرة والرَّحمة، والعِتق من النِّيران، ففي الصّحيح: “أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ العَشر شدَّ مِئزرَه، وأحْيَا ليله، وأيْقظ أهله”.
وقال الشيخ السديس : أيها الصائمون القائمون يا بشراكم ويَا نُعْماكم بهذه الأيّام المُبَاركة القلائل، ازدلفوا إلى ربكم بالفرائض والنوافل، واستَدْركوا ما فاتكم من الأعمال الجلائل، وارشُفُوا شهْدَ الوِصال بِلَذِيذ القِيَام والاعتكاف والابْتِهال والدعاء, فلا تزال الفُرْصَة سَانِحَة، والتّجَارة رَابِحَة، لِمَنْ بَدَّدَ أيَّام رَمضان وَفرَّقَهَا، وسلك بِنفسه طرائق التّفريط فَأَوْبَقَهَا.
وأضاف : إن الدنيا كلها كلمحة برق أو غمضة عين فكيف بأيام معدودات؟، وكيف بالثلث الأخير منها ؟، فالوقت قصير لا يحتمل التقصير فعليكم بالاجتهاد؛ لا تَخْرُجُوا من رمضان إلا مَغْفُورًا لكم، لا تخرجوا مِنْهُ إلا وقد أُعْتِقَتْ رِقَابكم، الله الله بحسن الختام، فالأعمال بالخواتيم.
وتساءل الشيخ السديس بقوله : هل أدركنا أن لشهر رمضان نوراً يجدُر أن تستضيء به النفوس والقلوب، فَتُثَبِّتُ الأمةُ أقدامَها على طريق التغيير، بوعي لا تشوبه رغبات، وبثبات لا يعكره ارتجالُ وَثَبَات، أم أن حظنا من رمضان هو الاسمُ المعروف، والزمنُ المألوف، وَصِلَةُ المناسبةِ المُنْبَتَّةُ عن الواقع والحال، حين تشرقُ الشمسُ أو يُطِلُ الهلال؟.
وأكد أن الأمة بحاجة إلى الثبات على الطاعة والتقوى في هذه الأيام أكثر من أي زمان، فبهما تُسْتدفع الخطوب، وتُكْشف الكروب، ويُصْلِحُ الحال علامّ الغيوب، وقال : إنها لمناشدة جهيرة ونحن نعيش أفضل الأيام والليالي لأن يتنادى المسلمون جميعًا إلى التواصي بالحق والخير، والتعاون على البر والتقوى، والتحلي بالفضائل الدينية، والآداب الإسلامية، أيقظوا قلوبكم من سِنَة الخواطر، واحبسوا ألحاظكم عن محظور المناظر، والسعيد من تحلّى بزينة الطاعة، واقتدح بزَنْد الجماعة.
وأضاف: وهنا يندد ويستنكر بكل المحاولات المتكررة للنيل من مقدسات الأمة واستفزاز مشاعر المسلمين بالاعتداء على المسجد الأقصى المبارك واقتحام باحاته في محاولات يائسة لا تزيد الأمة إلا استمساكاً بحقوقها المشروعة في الحفاظ على مقدساتها والدفاع عن قضاياها.
وتابع قائلاً : يشاد بما ننعم به في رحاب الحرمين الشريفين من الأمن والأمان والسلامة والاطمئنان وتوافر منظومة الخدمات كافة بفضل الله ثم ما توليه قيادة هذه البلاد المباركة للحرمين الشريفين وقاصديهما وضيوف الرحمن من المعتمرين والزائرين جعله الله في موازينها.
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام إلى اغتنام آخر الشَّهر لمحْوِ الذُّنوب بالتَّوبة، وبادروا زيادة الحَسنات بالاستغْفار والأوبة، وكثرة الحمد والشكر وإخراج زكاة الفطر ، فإن الأعمال بالخَواتِيم، وبِسَنِيِّ الآثار يتّضِح الصَّحِيح مِنَ السَّقِيم.