جاءني ابني زياد في ظهيرة أحد الأيام مستنكراً وغاضباً ومندهشاً. لأن أستاذه في السنة الثانية الابتدائية لم يصدقه عندما قال له إنه قابل، وتحدث مع ميكي ماوس شخصياً.. فسأله الأستاذ وأين كان ذلك؟.. فقال له في ديزني لاند.. فازدادت حيرة ابني؛ لأن مدرسه لا يعرف أيضا ديزني لاند.. وهنا جاء دوري، وشرحت لابني عمن قابله هناك.. وأن ديزني مدينة ألعاب في دولة اسمها أمريكا.. وليس بالضرورة أن مدرسه يجب أن يعرف ديزني، أو أنه ذهب إلى أمريكا أصلا الخ..
أما اليوم، فإنني أشفق على مدرسي هذا العصر.. حيث نعيش عصر انفجار المعلومات والمعرفة.. وأنها ليست حكراً على أحد بمن فيهم الطلبة ومدرسوهم.. وهي متوفرة بضغطة زر أو بأمر صوتي لأي إنسان كان على وجه البسيطة.. بصرف النظر عن عمره وجنسه أو موقعه في هذا العالم.. حيث تأتيه الإجابة على أي سؤال يدور في ذهنه بالصوت والصورة والمعايشة والمحاكاة..
هذه الحقيقة، وهذا الواقع يجعلنا نعيد التفكير في دور المدرس ومؤهلاته ومستواه التعليمي والثقافي والوظيفي في تعليم وتربية أبنائنا وبناتنا.. وكيف له أن يسد الفجوة المعرفية بينه وبين طلبته.. حيث المعلومات متاحة للاثنين بنفس القدر والطريقة.. ولكن تحكمها مهارات البحث التقني والقدرة على الإبحار في الإنترنت.. حيث أجيال اليوم من الطلبة يملكون ناصية التقنية باقتدار.. بل ويتفوقون على أجيال مدرسيهم.. ولديهم مهارات تخصهم وتتوافق مع اهتماماتهم وميولهم المفتوحة على آفاق العالم.. من خلال مراكز البحث والمعامل والمختبرات ومواقع المعرفة التقنية ومراكز الفكر والمفكرين في جميع مجالات الحياة.
وتجدر الإشارة إلى أن معدل دوران المعرفة وإنتاجها يتضاعف كل عام.. وأن إدارة هذا الكم الهائل من المعلومات والمعارف من خلال – المدرس والمدرسة – يفوق طاقة البشر.. بل يطرح أسئلة جوهرية عن كيفية تصميم المناهج الدراسية التي تتواءم مع متطلبات العصر والقدرات الفردية للطلبة.. وإعادة النظر في طرق التدريس الحالية.. وتحويلها من منطقة الحفظ والتلقين إلى.. طرق البحث والتطبيق الافتراضي والعملي.. وهذا بالضرورة يتطلب إعادة النظر في المنظومة التعليمية ككل دور المدرس والمدرسة والمناهج الدراسية وطرق التعلم وأساليبه.
وأخيراً.. أزعم بشدة أن دور المدرس والمدرسة قد تغيرا إلى الأبد.. حيث لم يعد المدرس هو مصدر المعلومة والمعرفة الوحيد.. وأن المدارس بوظائفها وهيكليتها الحالية لا تخدم متطلبات العصر.. لذلك يجب أن تسند مهمة البحث والدراسة في هذا الموضوع إلى مراكز الفكر في العالم لوضع أسس التعليم الجديدة على أرض الواقع.