عبد الله صقر – مركز المعلومات
لم يطلق على الجزري لقب “أبو هندسة العصر الحديث” من فراغ فقد كان مبتكراً لعلوم وتقنيات لم يسبقه إليها أحدٌ من قبل خاصة اختراعاته الميكانيكية المذهلة ولكنه ليس اللقب الوحيد فقد اطلق عليه لقب ـ”والد الروبوتات” بسبب اختراعه لروبوت بشري قابل للبرمجة في وقت مبكر.
الروبوت ويمكن أن يسمى بالعربية الإنسان الآلي والرجل الآلي، وهو آلة مكانيكية قادرة على القيام بأعمال مبرمجة سلفا، ذاتية الحركة إما بإشارة وسيطرة مباشرة من الإنسان أو بإشارة من برامج حاسوبية. ظهرت كلمة «روبوت» لأول مرة عام 1920م، في مسرحية الكاتب المسرحي التشيكي كارل تشابيك، التي حملت عنوان «رجال روسوم الآلية العالمية» ترمز كلمة «روبوت» في اللغة التشيكية إلى العمل الشاق، إذ أنها مشتقة من كلمة “Robota” التي تعني السُخرة أو العمل الإجباري، ومبتكر هذه الكلمة هو جوزيف تشابيك، أخ الكاتب المسرحي سالف الذكر، والذي ابتدعها في محاولة منه لمساعدة أخيه على ابتكار اسم ما للآلات الحية في العمل المسرحي.
لعبت الروبوتات دوراً مهماً في مخيلة الحضارات القديمة، وادعى البعض في اليونان القديمة النجاح في صناعة روبوتات على شكل إنسان، ولكننا لا نستطيع أن نأخذ هذه الادعاءات مأخذ الجد. ولكن أولى المحاولات الجدية كانت نتيجة لجهود العلماء المسلمين في القرن الثاني عشر، وعلى الأخص الجَزَري، إذ كان الوحيد الذي حقق إنجازا حقيقيا ووصف اختراعاته وصفا دقيقا برسوم هندسية متقنة ومصحوبة بشرح واف لكيفية عملها.
وفي كتاب رسالة الجزري الذي يتضمن سرداً للأجهزة الآلية التي اخترعها العرب – وصف لأحد هذه الأجهزة والتي أطلق الجزري عليها «نافورة الطاووس»، وقد كانت تستخدم في غسل الأيدي، فتقدم المياه والصابون والمنشقة آلياً.
واستطاع مهندسو القرن العشرين إعادة صناعة اختراعاته وأثبتوا نجاحها في التطبيق، كما ذكر المخترع الكبير. وهو بذلك تفوق على «ليوناردو دافنشي» الذي ظهر بعده بمئتين وخمسين سنة وتأثر به. ولكن، على عكس اختراعات الجَزَري، فإن اختراعات دافنشي الشهيرة لم تعمل عندما حاول العلماء الحاليين إعادة صناعتها، وبقيت عبارة عن تصاميم مثيرة للاهتمام على الورق. ولكل هذه الأسباب يعتبر العلماء والمؤرخون الحاليون الجَزَري مؤسس علم الروبوتات.
ساعة القلعة ونافورة الطاووس صنع الجزري
يعد أول تصميم للروبوتات هو ما ظهر في آلة ساعة القلعة للجزري، التي كانت تحوي فرقة موسيقية من الروبوتات التي تعمل بشكل ذاتي منتظم.
كانت ساعة القلعة أكبر ساعة فلكية للجزري، حيث كانت عبارة عن جهاز معقد يبلغ ارتفاعه حوالي 11 قدماً وكان له وظائف متعددة إلى جانب ضبط الوقت. تضمنت عرضاً للبروج والمدارات الشمسية والقمرية، وكان للجهاز أيضَا ميزة مبتكرة حيث يوجد مؤشر على شكل هلال القمر الذي يتحرك عبر الجزء العلوي من البوابة ويُنقل بواسطة عربة خفية ليتسبب في فتح أبواب أوتوماتيكية ليكشف كل باب عن عارضة أزياء، كل ساعة. ميزة مبتكرة أخرى هي القدرة على إعادة برمجة طول النهار والليل من أجل حساب التغييرات التي طرأت على مدار العام.
ميزة أخرى للجهاز هي خمسة موسيقيين يقومون بتشغيل الموسيقى تلقائياً عندما تنقلهم رافعات تُشغل بواسطة عمود الحدبات المخفي المرفق بعجلة مائية. تضمنت المكونات الأخرى لساعة القلعة خزاناً رئيسياً مع عوامة، وحوض وصمامات، وبكرتين، وقرص هلالي يعرض البروج، واثنان من كرات الصقر تسقط في المزهريات.
تعتبر ساعة القلعة للجزري أول كمبيوتر تمثيلي قابل للبرمجة. وتعمل بطاقة الماء، كما تمكن الجزري من ابتكار نافورة الطاووس وهي آلة على شكل خادمة بجانب حوضين لغسل اليدين، حيث تقوم الخادمة الآلية بملء الحوض بماء نظيف وقد كانت تستخدم في غسل الأيدي، فتقدم المياه والصابون والمنشقة آلياً.
مبتكر الساعات
قدّم الجزري اختراعين كانا أساس صناعة الساعات في أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي. الاختراع الأول هو المسنّنات الدقيقة، والثاني هو ميزان الساعة، وهو الجهاز الذي يحافظ على ثبات سرعة دوران المسنّنات، أي أنه يحافظ على عمل أجهزة الساعة بوتيرة واحدة.
وصف بالتفصيل تركيب الساعات الدقيقة التي أخذت اسمها من الشكل الخاص الذي يظهر فوقها: ساعة القرد، وساعة الفيل، وساعة الرامي البارع، وساعة الكاتب، وساعة الطبال، إلخ.
صنع الجزري مجموعة متنوعة من الساعات المائية والساعات الشمعية. تضمنت هذه الساعات ساعة محمولة تعمل بالكهرباء والتي كان ارتفاعها متراً ونصف المتر، وأعيد صُنعها بنجاح في متحف العلوم في عام 1976م. اخترع الجزري أيضاً ساعات فلكية ضخمة تعمل بالمياه، وكانت تعرض نماذج متحركة الشمس والقمر والنجوم. كما ذكر ألدو مييلي أن الجزري صنع ساعة مائية لها ذراعان تشيران إلى الوقت.
ساعة الفيل مفخرة الجزري
تعتبر ساعة الفيل الضخمة أهم اختراعات الجزري عام 1206م وتتميز بالعديد من الابتكارات. حيث تعد أول ساعة مائية تسجل بدقة مرور الساعات الزمنية لتتوافق مع طول غير متساو من أيام طوال العام.
هذه الساعة موجود منها نماذج حتى الآن في مول ابن بطوطة بدبي ومركز العلوم الإسلامية في فرانكفورت.
تتألف الساعة من فيل مزود بدلو من المياه من الداخل وبحركة هايدروليكية للمياه لا يراها أحد يتحرك راكب الفيل كل نصف ساعة ليضرب الفيل بالسوط ما يعمل كمنبه دال على انتهاء نصف ساعة.