أ.د فاطمة محمد الفريحي
شكل تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م نقطة تحول كبرى في تاريخ الجزيرة العربية، التي لم تعرف الوحدة لأكثر من 1000 عام، حيث تجذر الكيان ليُرسي دعائم متينة ومبادئ عظيمة راسخة ورؤية واضحة. كان الامام محمد بن سعود قائداً سياسياً فذاً، وحاكماً حكيماً حسن الإدارة للدولة منذ تأسيسها، لتكون حجر الأساس لنهضة سعودية شاملة في جوانب متعددة.
تشير المصادر التاريخية إلى أن الامام محمد بن سعود حول الدرعية إلى المدينة الدولة ونشر الأمن فأصبحت مركز حضاري واشعاع معرفي وسط الجزيرة العربية يقصدها كثير من طلبة العلم، ويجتمع فيها العلماء، وتؤلف في رحابها المؤلفات المتعددة، وتكتب المخطوطات، وتعد الرسائل الدعوية (التي تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة).
كانت الحياة الاجتماعية مرتكزة على الاخوة الإسلامية العميقة والأخلاق العربية الأصيلة، امتزج فيها الشعب بقيادته الرشيدة بالإخاء.
توفر عوامل الاستقرار والأمن في الدرعية أدى لتطورها اقتصادياً على ضفاف وادي حنيفة وكانت مركزاً للثقافة والتجارة وملاذاً لأولئك الذين يبحثون عن الأمن والراحة.
يفد إليها طلبة العلم من داخل نجد وخارجها ويتم الاتفاق على توفير الإقامة والمؤونة لهم من بيت المال، ويصرف للمعلمين والطلبة الرواتب، حراك فكري وعلمي، تحولت معه الدرعية في عهد المؤسس إلى مركز اشعاع علمي وتنويري وفقهي خاصة في العلوم الشرعية، مما أوجد نشاطات معرفية وأدبية ليس في الدرعية وحسب بل امتد إلى أنحاء نجد وسائر الجزيرة العربية وخارجها (يشهد على ذلك الكتب والمؤلفات والدراسات العلمية).
دولة حققت الأمن والسلام بعد حقب زمنية تعاقبت عليهم من التفكك والفرقة والتناحر تحت امارات متناحرة
حققت الدولة اجتماع الناس والأسر والقبائل العربية في وحدة وكيان سياسي عظيم تحت قيادة واحدة، حققت لهم الامن والاستقرار والرخاء، الذي كان غائباً عن جزيرة العرب منذ عهد الرسول والخلفاء الراشدين.
كانت الدرعية تتميز بالسلام الاجتماعي والرخاء الاقتصادي الذي رسمه المؤرخ ابن بشر (رأيت أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لا يوجد مثله والخيل والجياد والنجايب العمانيات والملابس الفاخرة ما يعجز عن عده اللسان ويكل عن حصره الجنان والبنان).
وقد رأيتها يوماً من مكان مرتفع المعروف بالباطن (موسم البيع والشراء من الذهب والفضة والسلاح والابل والاغنام والبيع والشراء والأخذ والعطاء على مد البصر ولا تسمع الا دوي النحل وقول بعت وشريت والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي من الملابس والسلاح والقماش) اشتهرت الدرعية بموسم الدرعية (سوق الموسم) من أقدم الأسواق وأكبرها في الدرعية وفي إقليم نجد في عهد الدولة السعودية الأولى وتذكر المصادر التاريخية أن الامام سعود بن عبد العزيز يشرف على حركة البيع والشراء من دريشة برج القصر.
أدى انتشار الأمن وتطبيق شرع الله وانهاء الصراعات إلى فراغ الجميع للزراعة والتجارة، وارتفاع المستوى المعيشي للدرعية والمناطق التابعة لها، كان هناك بيع وشراء آمن بفضل سياسة الامام محمد بن سعود ودعمه للمزارعين فلم يكن يجور عليهم فازدهرت التجارة حيث كان نظام التجارة في الدرعية أكثر انفتاحاً وأكثر منافسة.
يوم التأسيس يوم فخر لنا، قصة تاريخ يستحق الاحتفاء والتذكير به (ونحن اليوم ننعم بما بُني وأُسس وأُنجز، امتداد لإرث وحضارة لها 3 قرون انتقلت فيه الدولة السعودية من دولة المدينة إلى الدولة السعودية الأولى، حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من عز وتمكين)
أستاذ التاريخ في جامعة القصيم
ومستشار ديوان الامارة لشؤون الأسرة والتنمية الاجتماعية