عبدالله صقر – مركز المعلومات
إلى جانب إسهاماته في الفلسفة العلمية والمنهج العلمي والبصريات وطب العيون والإدراك البصري قدّم ابن الهيثم إسهامات كبيرة في الرياضيات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة: “إن الإبصار يتم بانعكاس الضوء على الأشياء ومن ثم بدخوله إلى العين ” … من كتاب المناظر.
أحدث ابن الهيثم بهذه النظرية التي وضعها انقلاباً في علم البصريات، حيث برهن رياضياً وهندسياً على أن العين تبصر وترى بواسطة انعكاس الإشعاعات من الأشياء المرئية على العين وليس بواسطة شعاع ينبثق من العين إلى الأشياء ناقضاً بذلك نظرية إقليدس وبطليموس بالرؤية حول أن الأشياء تتم رؤيتها بأشعة الضوء التي تنبعث من العينين، وبناءً على ذلك فإن الأشعة تنشأ بموضوع الرؤية وليس في العين، وعن طريق تلك الأبحاث المكثفة في البصريات، تم اعتباره بأنه هو أب البصريات الحديثة.
يشتمل «كتاب المناظر» على بحوث في الضوء وتشريح العين والرؤية. وهو أول من قال إن العدسة المحدبة ترى الأشياء أكبر مما هي عليه.
يعتبر ابن الهيثم أوَّل من درس عدسةَ العين وأقسامها وتشريحها، ورَسَمَها وأطلقَ عليها أسماء أخذها الغرب، أو ترجمها إلى مختلف لغاته، منها القرنيةُ والخلطُ الزُّجاجي والشَّبكية والخلطُ المائي. وقد وردَ في الموسوعة البريطانيَّة: “أنَّ ابنَ الهيثم كتبَ في تشريح العين وفي وظيفة كلِّ قسم، كما بيَّن كيف ننظر إلى الأشياء بالعينين في آنٍ واحد، وأنَّ الأشعَّةَ من النور تسير من الجسم المرئي إلى العينين، ومن ذلك تقع صورتان على الشَّبكية في مَحلَّين متماثلين” كما أنه ترك بحوثاً في تكبير العدسات مهدت لاستعمال العدسات في إصلاح عيوب العين، وهو من قام باختراع النظارات والتي تمثل الاستخدام العملي الأول للتكبير. وهو صاحب أول التجارب العلمية في تحليل الضوء إلى ألوانه المعروفة بألوان الطيف، كما درس المرايا بأنواعها الكروية والمكافئة والانحراف الكروي، واستفاد علماء الغرب من بحوثه فاعتمد كبلر على كتبه ودراساته في دراسة انكسار الضوء، واعترافا بفضله وسبقه في هذا المجال لقبه العلماء بأمير النور. تعد أطروحة ابن الهيثم عن البصريات في كتاب المناظر والتي تم تصنيفها إلى جانب إسحاق نيوتن كواحد من أكثر الكتب تأثيرًا في العالم على الإطلاق، وفي الفيزياء كانت لتلك النظريات تأثير تمثل في التغيير بشكل جذري في فهم الرؤية والضوء.
مؤلفاته
ألّف في الطب والصناعات الطبية أكثر من 30 رسالة وقدم شروحاً كثيرة لمن سبقوه، ومن أهم مؤلفاته «كتاب في تحليل المسائل الهندسية»، و«الجامع في أصول الحساب»، و«اختلاف منظر القمر»، و«رؤية الكواكب»، و«التنبيه على ما في الرصد من الغلط»، و«أصول المساحة»، و»أعمدة المثلثات»، و«كيفـيات الإظلال».
تأثير الموسيقى على الحيوانات
ألّف ابن الهيثم مخطوطة حول تأثير الأنغام على أرواح الحيوانات، والتي تعد أقدم مخطوطة تتعامل مع تأثير الموسيقى على الحيوانات. في تلك المخطوطة، حيث توصل الى ان سرعة الجمل تزداد وتقل مع استخدام الحداء، وضرب أمثلة أخرى حول كيفية تأثير الموسيقى على سلوك الحيوان وسيكولوجيته، وقد أجرى تجاربه على الطيور والخيول والزواحف. وحتى القرن التاسع عشر، اعتقد معظم علماء الغرب بأن الموسيقى لها تأثير واضح على ظاهر الإنسان، ولكن التجارب أثبتت وجهة نظر ابن الهيثم بأن الموسيقى لها تأثير على الحيوانات أيضاً.
الرياضيات والميكانيكا
كان ابن الهيثم بارعاً في الرياضيات فقد طبق الهندسة والمعادلات والأرقام في حل المسائل الفلكية. كما حل معادلات تكعيبية عرفت في الغرب باسم مسألة الهازن والتي تقوم على معادلات رياضية من الدرجة الرابعة. وأعطى قوانين صحيحة لمساحات الكرة والهرم والأسطوانة المائلة والقطعة الدائرية.
اهتم ابن الهيثم بالبحث في فروع علم الهندسة اليونانية، وعلم الهندسة الجديدة التي طورها علماء الرياضيات المسلمين، وشملت هذه الفروع مبادئ الهندسة التي ألف فيها ابن الهيثم العديد من المؤلفات، وتطبيقات هندسة القطوع المخروطية، وهندسة اللامتناهيات التي كتب فيها مجموعة من الكتب وصل عددها إلى 12 كتاباً، ولم يظهر منها إلا 7 كتب.
اهتم ابن الهيثم بعلم الميكانيكا وكانت دراسته للظواهر الميكانيكية في إطار تجاربه في علم الضوء، ولكنه توصل إلى القانون الأول للحركة القائل بأن الجسم يظل على حالته ما لم تؤثر عليه قوة خارجية، وفي مجال الطبيعيات بحث ابن الهيثم نظريات التجاذب بين الكتل، وتسارع الأجسام الساقطة بفعل الجاذبية.
الفلك
له إسهامات مشهودة في الفلك وكتب فيه 20 مخطوطة وتوصل إلى طريقة جديدة لتحديد ارتفاع القطب، ووضع نظرية عن تحركات الكواكب ولا تزال منطلقاتها العلمية قائمة حتى الآن، واكتشف أن كل الأجسام السماوية بما فيها النجوم الثابتة لها أشعة خاصة ترسلها كان أول من أشار إلى ظاهرتي كسوف الشمس وخسوف القمر، وهو الذي أكد أن القمر يحصل على ضوئه من أشعة الشمس، ولا يستطيع أن يوفر الضوء بشكل ذاتي، فتمكن من الوصول إلى ظاهرة التظليل التي شرح طبيعتها.
كتب ابن الهيثم، عن ظاهرة انكسار الضوء في الغلاف الجوي. وقال إنه تبين أن حدوث ظاهرة الشفق تعود إلى انكسار الضوء في الغلاف الجوي، وأن الشرط الأساسي لحدوثها هو زاوية غروب الشمس- تحديداً عندما تكون الشمس 19 درجة تحت الأفق-، واستخدما لنظريات والبراهين الهندسية لقياس ارتفاع الغلاف الجوي، حيث وجد أنه 5200 ميل روماني (49 ميل، 79 كيلومتر) ، وهو قريب جداً من القياسات الحديثة التي تقدر ب50 ميلا (80 كم). كما أدرك أن الغلاف الجوي أيضا يعكس الضوء من خلال ملاحظته لسطوع السماء حتى قبل شروق الشمس.