البلاد – الرياض
بعد أن ضمّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) موقع مدائن صالح لقائمة التراث العالمي، جاء حي الطريف مرة أخرى ليؤكد ويجدد حضور المملكة اللافت عالمياً، بما يعزز قيمة المملكة من الناحية التاريخية كموطن قديم لحضارات بشرية متنوعة، ويؤكد مكانة المملكة الراسخ ثقافياً وآثارياً. ويبرز حي الطريف بمحافظة الدرعية شمال 20 كلم غرب مدينة الرياض المكانة الآثارية للمملكة، كما يعتبر أحد أهم المواقع السياسية والجغرافية منذ نشأة الدولة السعودية الأولى، إذ كان الحي أول عاصمة لأسرة آل سعود.
يحمل حي الطُّريف الذي أُسس في القرن الخامس عشر الميلادي آثار الأسلوب المعماري النجدي الذي يتفرد به وسط شبه الجزيرة العربية، وتنامى في القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الدور السياسي والديني لحي الطريف، وأضحى مركزاً للسلطة وانتشار الإصلاح، حيث يضم الحي آثاراً للكثير من القصور، فضلاً عن مدينة بُنيت على ضفاف واحة الدرعية.
وقد تم تسجيل موقعه ضمن قائمة التراث العمراني العالمي باليونسكو في عام 2010م. وترقد الدرعية وادعة بين ضفتي وادٍ خصيب مُليء بأشجار النخي، وتظهر بحلة بهية على وادٍ يعد الأكبر في الجزيرة العربية – وادي حنيفة – الذي يشهد حالياًَ نهضة بيئية تسير به نحو أن يكون وجهة رئيسية للسياحة الداخلية، بعد أن كان مقراً آمناً وملائماً للاستقرار الحضري منذ أقدم العصور، لما تمتلكه الدرعية من مميزات طبيعية وبيئية وجغرافية كالروافد والشعاب والأراضي الخصبة والبناء والتعمير الذي تظهر فيه السمات النجدية بوضوح إلى جانب أنظمة الري وقنوات السقيا.
وسرعان ما احتلت الدرعية الصدارة على الطريق التجاري من شرق الجزيرة إلى غربها، خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، إضافة إلى تحكمها في طريق الحج إلى مكة المكرمة، فامتد سلطانها على عدد من قرى وادي حنيفة، وبلغ نفوذها إلى ضرماء في الجهة الغربية من جبل طويق، وإلى أبا الكباش شمال الدرعية، التي يلفها سور قديم يتميز بتحصيناته وأبراجه العالية المشرفة على كل الأحياء، وتبلغ مساحة الدرعية والمراكز المرتبطة بها (2020 كيلو متر مربع تقريباً) ويخترقها وادي حنيفة وتفريعاته المختلفة مثل الخسيف، والحريقة، وغبيراء، والبليدة، والمغيصيبي، وقصير، وصفار، وقليقل، وقري عمران، والملقا، ودبوس، والعلب، وغصيبة، وناظرة، والسلماني، والرفيعة، وسمحان، وشعيب كتلة، والقرين، والطريف. وتضم الدرعية عدداً من الأحياء مثل حي الغصيبة الرئيسي، وأحياء الظهيرة والطرفية والبجيري والعودة والبليدة والسريحة، وتتميز هذه الأحياء العامرة قديماً بأنها تشترك في كثير من عناصرها العمرانية التي تمثل مفهوم العمران الإسلامي الذي يميز بالخصوصية واحترام الجار، إلى جانب المظهر العام للبيوت الذي يوحي بالحياة البسيطة والبعد عن البذخ، ويتوسط هذه الأحياء المسجد الجامع الذي يعد مكان العبادة والاجتماع والشورى. كما تضم هذه الأحياء عدداً من القصور مثل قصر سلوى -قصر الحكم- الذي بناء الإمام محمد بن سعود في القرن الثاني عشر، وكان مسكناً للأمير، ومنه تدار شؤون الدولة، وقد تعاقب عليه عدد من الأئمة الذين أدخلوا تعديلات عليه، ويعد اليوم نموذجاً للإعمار النجدي والطراز الطيني والحجري.
وقد ظهرت الدعوة الإصلاحية في ربوع الدرعية بعد أن احتضن حاكمها الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى (1157 – 1232هـ/ 1788 – 1818م) دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدرعية، وانطلقت منها رسالة الإصلاح، وتحقق من خلالها الكثير من النجاحات، وعلا شأن الدرعية السياسي والعسكري، ونشطت في ربوعها الحركة العلمية، وغدت منارة للعلم ومقصدا للعلماء، وتقاطر التجار على أسواقها، ونشطت فيها الحركة التجارية والاقتصادية. وترتفع الدرعية نحو 700 متر عن سطح البحر، ويقع شمالها عدد من بلدات نجد القديمة، من أبرزها الجبيلة والعيينة، وإلى الجنوب منها بلدة عرقة. وقد امتدت الدرعية في أوج عظمتها على مسافة ثمانية كيلو مترات على جانبي وادي حنيفة من العلب شمالا حتى المليبيد جنوباً، وتعد الدرعية من المواقع الإستراتيجية المهمة، فهي تقع وسط الجزيرة العربية متربعة على قمة جبال طويق.