سعيد الغامدي
أما قبل: فإن كنت ممن أنعم الله عليهم، وأعانهم لأداء فريضة الحج مرة أو مرات.
وأيضا إن لم تكن قد أديت فريضة الحج بعد؛ فمكانك الصحيح هنا!! نعم هنا بين هذه السطور لا تستغرب وأكمل القراءة حتى آخر حرف.
فلك أنت دون غيرك كتبت ما أعد أن تستمتع بقراءته، وقد يغير من نظرتك وترتيب الأولويات لديك.
في سنين المراهقة كان حلمي كرفاقي وأقراني آنذاك أن نتعلم القيادة، ونستخرج تصريحا مؤقتاً قبل السن النظامي أو رخصة قيادة – وكان لي ولكم ذلك – امتلكنا السيارة تلو السيارة، معظمها دون جهد عدا الرغبة العارمة والإلحاح المستمر؛ لأن ذلك كان يشكل لنا أولوية لا تقبل التأجيل.
وأصدُقكم القول بأنني لم أفكر في الحج وقتها كما هو حال الكثير الآن رغم الاستطاعة.
قبل سنوات أتذكر أن أحد زملاء العمل من جنسية عربية، وكان كثير الذهاب للعمرة.. سألته هل أديت فريضة الحج.. فأجابني أنه يتمنى ذلك، ولكن لا يستطيع؛ لأن الأسعار مبالغ فيها!! استغربت من الرد؛ لأنه كان يشغل وظيفة مرموقة ذات دخل عالٍ سألته كم تكلفة حملة الحج؟ فأعطاني رقماً. لم يكن كبيرا على إمكاناته. فجأةً نظرت إلى الجوال الجديد الذي يحمله؛ أرجعت جسمي على الكرسي، وشبكت أصابع يدي خلف رأسي ولسان حالي يقول: “وتقول الحج غالي”!!
إنها الأولويات.
لذلك أكثر ما يؤلمني أن أجلس في مجلس يردد فيه البعض أن الحج مكلف، أو أن أسعار الأضاحي مرتفعة، خصوصا إذا كان من يردد ذلك لا يتردد في صرف مبالغ طائلة لإقامة حفل زفاف مميز، أو ركوب سيارة فارهة، أو سفر للخارج أو غير ذلك من الأمور. بل إنه قد يقوم بإكرام ضيف أو زائر بنفس قيمة الأضحية دون تذمر، بل بفخر واعتزاز أحيانا.
وهنا أُذكركم ونفسي بقوله تعالى: ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ، فإنَّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ.
بالنسبة لي عندما كنت طالبا حظيت بفرصة العمل الموسمي في فترات الحج مع بعض الرفاق عملنا حينها في الجمارك في مبنى الحجاج بمطار جدة كانت تجربة ثرية أضافت لي الكثير من التجربة الإنسانية ومعرفة الشعوب، ومن هنا بدأ شغفي وتفكيري بالحج كنت أرى ضيوف الرحمن يقبّلون الأرض ساجدين فرحةً بوصولهم لأراضي المملكة، كنت أرى العيون المجهدة من عناء سفرٍ طويل، وقد اغرورقت بدموع فرحة القدوم للديار المقدسة.
أتذكر في إحدى المرات صادفت رحلة قادمة من الصين، لفت نظري حينها أن معظم القادمين كبار في السن، وقد بلغوا من العمر عتيًّا فتحت حقيبة أحدهم للتفتيش وجدتها مليئة بالقماش الأبيض استدعيت مشرف الصالة الذي أخبرني بأن هذه الأقمشة “أكفان” ووعدني بشرح القصة لاحقا؛ ليخبرني أنه جرت العادة أن أقارب الحاج القادم أو أهالي قريته وجيرانه – والذي قد يكون قد أمضى عشرات السنين في انتظار فرصة القدوم للحج – يرسلون معه أكفانهم ليغسلها بزمزم، ويعود بها إليهم، وأضاف بأنهم في فترات ماضية كانوا يغسلونها بزمزم، ويضعونها تحت أقدام الطائفين.. لا أعلم عن جواز ذلك من عدمه، ولكن الذي أعلمه أن ذلك كان كافياً لأن أتيقن بأني وأنتم لا نستشعر الكثير من النعم.
الشارع والسهم
هنا أشبّه ما حدث لي حينها بأرضٍ بوْر بعيدة لا قيمة لها مر بها شارع تجاري، فارتفعت قيمتها أضعافا وأضعافا.. أما من فترة قريبة، فأتذكر حديثا هاتفيا جمعني بأحد الأصدقاء وزملاء العمل ممن غادروا السعودية قبل فترة، وبعد أن أمضوا سنواتٍ طويلة من الإقامة في جدة.. كنا ككل مكالمة نتحدث عن الأحوال والأعمال والأبناء والأجواء اقترحت عليه القدوم للعمرة لتكون فرصة للقاء.. سكت وتنهد وقال هل تعرف أكبر نعمة فقدتها منذ مغادرتي. هذه المرة أنا الذي سكت.. ليكمل قائلا: أن تقود سيارتك، وترى لافتة زرقاء في الشارع تشير إلى اتجاه مكة المكرمة أو مكتوب فيها مكة المكرمة 80 كم.. يا الله!! كم نمر بمثل هذه اللافتات، ولا تعني لنا شيئا. كانت عباراته كالسهم الذي أصابني في مقتل. الآن وكلما مررت بلافتة مماثلة أحمدُ ربي، وأتذكر تقصيري وأحاول أن أتجاوزه.
وقبل الختام إن كنتم تحملتم قراءة سطوري هذه كل ما أحلم به هو أن يكون حديثي -الذي أتى دون ترتيب من القلب إلى القلب – هو الشارع الذي يمر بقلوبكم ليغيرها من حال إلى حال. أو كالسهم الذي يقتل الغفلة والتسويف وتأجيل ركن من أركان الإسلام دون عذر.
وعوداً على بدء لمن تجاوز العشرين والثلاثين، وقد يكون الأربعين، ولم يفكر في الحج ماذا تنتظر؟ ولمن سبق بالحج، فليتفقد من حوله من الأمهات والزوجات والبنات والخالات والعمات، ويكسب أجر أدائهن الفريضة.
وأخيراً: في العنوان لا تفكر بالحج ألف ناقصة أو زائدة.
أضفها ليصبح بصيغة التحضيض ألا تفكر بالحج
أو احذفها إن شئت ليصبح بصيغة الأمر.. لِتفكرْ بالحج