أحب الرسائل مهما كانت طريقتها في الوصول للمرسل إليه، أحياناً تكون هادئة وأخرى تكون صاخبة، لكنها مملوءة بمشاعر صادقة يشوبها قلق الرد المنتظر، تحمل كلمات ورموزاً تشرح ما بالقلب والروح، وقد تكون صدفة تصل في الوقت الملائم حين نكون في أشد الحاجة إليها.
ولأني أحبها، فقد حاولت تتبع بداية نشأتها لكني توصلت إلى أنه لا زمن محدداً لذلك، لأنها منذ فجر التاريخ ترافق الإنسانية سواءً في السلم أو الحرب، في الحب أو في الفراق.
لكنها غالباً ما تكون مكتوبة، وهذا نوع من أنواع الأدب النثري يسمى أحياناً “بأدب المراسلات” الذي ينثر فيه الكاتب على الورق مشاعره واختلاجات نفسه، بل إن هناك العديد من المؤلفات التي تناولت تلك الرسائل بصورة خاصة أشهرها ما كان بين الأدباء كرسائل ورقية وبالطبع إن أول ما يخطر للقارئ الرسائل التي كانت بين جبران خليل جبران ومي زيادة المملوءة بالحب، رغم أنهما لم يلتقيا أبداً، وهذا ما جعلها تصب كامل لوعة الحب في إحدى رسائلها إليه قائلة:” قل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى؟، فإني أثق بك، وأصدق بالبداهة كل ما تقول، سواءً كنت مخطئة، فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك”.
وعلى جانب آخر من الرسائل ما كان بين الصديقين محمود درويش، وسميح القاسم اللذين كانا يشكيان ألم المنفى حيث كتب درويش لصديقة قائلاً: “كم تبهجني قراءة الرسائل! وكم أمقت كتابتها لأني أخشى أن تشي ببوح حميم قد يخلق جواً فضائحياً لا ينقصني” نعم كان يخشى درويش أن يصب ما في صدره على الورق. وغيرها من الرسائل التي كانت بين نابوكوف وزوجته فيرا -التي أحب قراءتها بصورة خاصة- وبين كاواباتا وميشما اللذين جاءت رسائلهما في كتاب المراسلات.
لكن من جهة أخرى بعض الروايات كُتبت كرسائل من شخص واحد كرواية “صاحب الظل الطويل” لجين ويسبر، وبين شخصين كرواية الفقراء بين ماكار وفارفارا التي كان يناديها: “بعزيزتي ماتوشكا” أو التي جاءت كرسائل بصورة المذكرات كرواية “بوليانا” للكاتبة إليانور بورتر، وغيرها من الروايات التي كان سردها مبنياً على أكثر من راوٍ في الرواية الواحدة.
ليس الأدب وحده ما يحمل طابع الرسائل، بل الأغنيات كذلك، حين نرسلها للشخص المعني في محاولات خجولة للاعتراف بأمر ما أو كهيئة اعتذار، وحدها تتسم بالحماسة والقلق، بصوت فنان اختار كلمات الشعر كرسائل تغمر القلب بالقصد منها ما يجعله سعيداً في غالب الأحيان، بل إن هناك أغنيات عنونت بهذه الكلمة كأغنية “رسائل” لمحمد عبده “ورسائل من تحت الماء” لعبد الحليم حافظ.
نعم، للرسائل فعل الطمأنينة بأشكالها، ما جعلها تتصدر الأدب بأنواعه تناسبه كما كُتب، وقرئ، وتغنى به.
i1_nuha@