تأججت النار أكثر، وتفاقمت الكارثة بشكل أكبر، حين جنح الشهود إلى تصوير وقائع الحريق وتوثيق ما سببه اللهيب من حرق للأطفال والتهام للممتلكات، فقد نسوا أن المصاب جلل، وعليهم أن يهرعوا لإسعاف المحروقين وإخماد الحريق أولاً، وليس الانشغال بالتقاط الصور والفيديوهات التي لن تجدي نفعاً، بعد أن يصبح الضحايا في ذمة الله.
لقد أصبحت الهواتف الذكية المزودة بأكثر من كاميرا، في متناول كل شخص، وصار من السهل على أي حامل جهاز إلكتروني أن يلتقط بعدسته المنظر الذي يعجبه والمكان الذي يروق له والفعالية التي تناسبه، ولكن الأمور لا يجب أن تبدو بتلك البساطة، فهناك أحكام تضبط عملية التصوير، وهناك آداب عامة على الإنسان أن يلتزم بها ليظل تصرفه سليماً ومراعياً للأعراف والمعايير الاجتماعية، فمن غير المناسب مثلاً أن أصور الآخرين خلسة دون موافقتهم، وممنوع قانوناً أن أصور مؤسسات الدولة العسكرية وهيئاتها الأمنية، وليس من حقي أن أصور حفلاً لا شأن لي به، وأشارك صوره عبر الإنترنت، ومن غير الجائز أن التقط صور المصلين في دور العبادة احتراماً لطقوسهم الدينية، ومن غير اللائق صحياً أن أدمن على التقاط صور السيلفي لأجذب الانتباه، واستجدي استحسان الناس، فقد تحدث لي خللاً في العقل وانحرافاً في السلوك، وأصاب باضطراب الشخصية الحدية (البوردرلاين)، وعندها سيتحول حبي وولائي إلى نفسي بالدرجة الأولى.
من الصعب تخيل كم المعرفة التي تنقل لنا من خلال التصوير الفوتوغرافي، فالصورة صارت بديلاً للخبرة المباشرة والمعلومة السياحية بالأماكن الجغرافية والكائنات الحية والفعاليات المتنوعة، فقد كسرت حاجز التلقي، وسهلت لغة التفاهم بين الناس، وأصبح من السهل جداً نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقيها عبر محركات البحث.
عزيزي المصور الفوتوغرافي، اضبط إعدادات الكاميرا بشكل جيد من حيث سرعة الغالق وفتحة العدسة وحساسية الضوء (ISO)، ثم التقط صور الذكرى من غير إفراط ولا تكليف، استمتع بوقتك وشارك الآخرين أحاديثهم، ركز على عملك التطوعي الإنساني، ولا يغرّنك الدعاية والظهور، لا تخترق خصوصية الناس واحصل على إذن مسبق قبل التصوير، انشر الصورة كما هي من غير فلترة أو تضليل، صحح الرتوش ولا تمحو الهوية، فالصورة في نهاية المطاف تعبر عن أيديولوجية صاحبها والسياقات الثقافية والاجتماعية التي اُلتقطت لأجلها، فإما أن تكون الصورة قوة ناعمة وأداة توثيق، وإما أن تكون صورة فاضحة ومعول هدم وتخريب.