جدة – البلاد
في سبيل تطوير الاقتصاد وتنويعه وتخفيف الاعتماد على النفط، أطلقت المملكة العربية الســـعودية رؤية السعودية 2030 مرتكزة على العديد من الإصـــلاحات الاقتصادية والمالية، والتي استهدفت تحول هيكل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد متنوع ومستدام مبني على تعزيز الإنتاجية ورفع مساهمة القطاع الخاص، وتمكين القطاع الثالث. شهد الاقتصاد السعودي خلال عصره الحديث نمواً على مستوى عدد كبير من القطاعات، مستغلاً بذلك الموارد الطبيعية في المملكة، وموقعها الجغرافي والحضاري بين قارات العالم الثلاث. نتج عن هذا النمو بناء قاعدة اقتصادية متينة، حيث أصبح ضمن أكبر عشرين اقتصاداً عالمياً وعضواً فاعلاً في مجموعة العشرين، وأحد اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد العالمي وأسواق النفط العالمية، مدعوماً بنظام مالي قوي وقطاع بنكي فعال، وشركات حكومية عملاقة تستند إلى كوادر سعودية ذات تأهيل عالٍ.
كما شهدت المملكة خلال السنوات الماضية إصلاحات هيكلية على الجانب الاقتصادي والمالي، مما يعزز من رفع معدلات النمو الاقتصادي مع الحفاظ على الاستقرار والاستدامة المالية. ويظهر هذا جلياً في تحســـن بيئة الأعمال في المملكة، والســـعي المســـتمر لتمكين القطاع الخاص في دعم التنويع الاقتصادي عبر تحسين بيئة الأعمال وتذليل المعوقات لجعلها بيئة أكثر جاذبية، بالإضافة إلى الاستثمار في القطاعات غير المستغلة سابقاً وكذلك تحسين البيئة الاستثمارية وزيادة جاذبيتها للمستثمرين المحليين والأجانب.
التحول الاقتصادي
نجحت المملكة منذ إطلاق الرؤية في تنفيذ العديد من المبادرات الداعمة والإصلاحات الهيكلية لتمكين التحول الاقتصادي، وشمل هذا التحول عدة جهود رئيسية متمحورة حول بعدٍ قطاعي يشمل تعزيز المحتوى المحلي والصناعة الوطنية وإطلاق القطاعات الاقتصادية الواعدة وتنميتها، وبعدٍ تمكيني يهدف إلى تعظيم دور القطاع الخاص والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز استدامة المالية العامة. وأسهمت هذه التحولات الهيكلية في تعزيز قدرة اقتصاد المملكة على تجاوز جائحة كوفيد- 19 في عام 2020م بثبات. ويتوقع أن تستمر وتيرة هذا التحول الهيكلي نحو نمو اقتصادي مستدام في السنوات المقبلة، خصوصاً في ظل عدد من المبادرات الاستثمارية والعملاقة، تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، والشركات الرائدة. كما يتوقع أن تتسارع عجلة توطين المعرفة والتقنيات المبتكرة.
لدفع عجلة التحول، تمحورت أبرز الجهود الرئيسية حول: تعزيز المحتوى المحلي والصناعة الوطنية. استهدفت الرؤية تعزيز المحتوى المحلي في القطاعات المختلفة في المملكة، من خلال توطين إنتاج السلع والخدمات لرفع تنافسيتها وخلق فرص وظيفية مستدامة. وأُطلقت عددٌ من المبادرات لرفع نسبة التوطين ودعم المنتجات الوطنية وتوسيع القاعدة الصناعية في المملكة لتشمل إنتاج منتجات جديدة محلياً، حيث أُطلق نظام جديد للمشتريات الحكومية يحفّز المحتوى المحلي، وتم استحداث هيئة تعنى بالمحتوى المحلي، وإنشاء شركة للصناعات العسكرية تستهدف رفع نسبة التوطين في القطاعات العسكرية، وتم العمل على إصلاحات للمنظومة الجمركية بهدف زيادة جاذبية الصناعات الوطنية، وتحفيز توليد فرص العمل للمواطنين مع مراعاة الميز التنافسية للقطاعات الاستراتيجية، بالإضافة إلى إطلاق برامج دعم الاستثمار وتحفيزه.
وبادرت الرؤية بدفع عجلة الصادرات غير النفطية، حيث أُطلق عدد من المبادرات لتمكين الشركات السعودية من الوصول للأسواق العالمية، بما يشمل تطوير شراكات استراتيجية مع الأسواق العالمية المستهدفة. ولتمكين تنمية الصادرات، أٌنشئ بنك التصدير والاستيراد لتسهيل تمويل الصادرات وإطلاق الهيئة العامة للتجارة الخارجية لتعظيم مكاسب المملكة في التجارة الخارجية وتعزيز تنافسيتها وتمكين نفاذها للأسواق الخارجية.
قطاعات واعدة
تدعم رؤية المملكة العربية السعودية القطاعات الواعدة، وتسعى لتنميتها لتكون دعامة جديدة للاقتصاد السعودي، من خلال وضع السياسات والأطر التنظيمية اللازمة، وتحفيز الاستثمارات في هذه القطاعات وتسهيلها. فعلى مستوى قطاع الطاقة، دفعت الرؤية بعجلة الطاقة المتجددة من خلال عدد من المشاريع في أنحاء المملكة، مثل محطة سكاكا للطاقة المتجددة. بالإضافة إلى ذلك، استمرت المملكة في تطوير قطاعي الزيت والغاز، وشمل ذلك رفع القدرة الإنتاجية للغاز في المملكة.
على مستوى التعدين، عملت الرؤية على تعزيز دور المدن الصناعية لتنمية قطاع التعدين، مثل مدينتي رأس الخير ووعد الشمال، وذلك عن طريق تمكين هذا القطاع من خلال إطلاق نظام الاستثمار التعديني، ومن خلال تحسين البنية التحتية للخدمات اللوجستية والاستثمار فيها.
وفي قطاع السياحة والترفيه، تعمل رؤية السعودية على تعزيز تطوير المواقع السياحية وفق أعلى المعايير العالمية، وتيسير إجراءات إصدار التأشيرات للزوار وتهيئة المواقع التاريخية والتراثية وتطويرها. ولدعم القطاع، أُطلق صندوق التنمية السياحي لتمويله وتعزيز نموه وهو ما سيعزز من وتيرة نمو نشاط السياحة التي شهدتها المملكة قبل أزمة الجائحة وزيادة مساهمتها في النمو الاقتصادي والتشغيل، حيث تحول ميزان السفر إلى فائض للمرة الأولى في عام 2019، وتقلص فارق الإنفاق بين السفر الخارجي والداخلي من 54 مليارات ريال تدفق للخارج في عام 2010 إلى فائض 4.8 مليارات ريال تدفق للداخل في 2019.
استراتيجية للاستثمار
وإلى جانب ذلك تعمل المملكة على إعداد استراتيجية وطنية للاستثمار تكون دافعة لنمو الاستثمارات المحلية والأجنبية داخل المملكة، بالإضافة إلى جذب الشركات الرئيسة العالمية لفتح مقراتها الرئيسة بالمملكة، بالإضافة إلى استمرار التقدم في برنامج التخصيص لتعزيز دور القطاع الخاص ورفع معدلات الإنتاجية في الاقتصاد.
تمكين القطاع الخاص
استهدفت الرؤية رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وأطلقت عدة مبادرات للعمل على تمكين القطاع الخاص من زيادة مساهمته. وبدأت ملامح التحول تظهر جلية في بيئة الأعمال في المملكة، حيث تحسن ترتيب المملكة في التقرير السنوي للتنافسية العالمية الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية لتصل إلى المركز الثامن على مستوى مجموعة العشرين لعام 2020م، وأطلقت المملكة نظام التخصيص لتوفير البيئة التنظيمية للشراكة بين القطاع العام والخاص، وأطلقت عدة أنظمة وتشريعات أخرى لتحسين بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص، والتي شملت تطبيق نظام الإفلاس وتسهيل ملكية الأجانب.
وعملت الرؤية على تسهيل دخول منشآت جديدة للأسواق، من خلال تسهيل التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وخلق صناديق رأس مال جريء، مما سيؤدي لزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.
ساهمت رؤية السعودية في تعزيز استدامة المالية العامة، من خلال رفع كفاءة الإنفاق الحكومي على المشاريع الرأسمالية والنفقات التشغيلية، وفي تنويع مصادر الدخل للحكومة، من خلال تنمية الإيرادات غير النفطية، وتوفير أدوات تمويلية داعمة لتمكين الميزانية العامة للدولة عن طريق المركز الوطني لإدارة الدين العام ورفع كفاءة التخطيط المالي وتنفيذ الميزانية والتحول الرقمي والتقني وتعزيز الشفافية.
كما عملت الرؤية ومبادراتها خلال الفترة الماضية على إرساء قواعد التحول الاقتصادي للمملكة، ويُتوقع أن يشهد الاقتصاد السعودي خلال السنوات القادمة تزايداً ملحوظاً في معدلات النمو الاقتصادي، حيث ستواصل المملكة تنفيذ مشاريعها التنموية الكبرى واستكمال تنفيذ برامج تحقيق الرؤية، والعمل على خلق قطاعات جديدة واعدة، وتمكين القطاع الخاص من الإسهام بصورة أكبر في النمو الاقتصادي بما يسهم في خلق فرص عمل جديدة للمواطنين وتعزيز الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.