جدة – هلال سلمان
قَدَرُ بعض الأشخاص أن يتسنموا المجد، وهو اختيار من الله لهم؛ ليكونوا في مكانة مختلفة عن أقرانهم، وهذا هو ما يجعلهم أساطير في مجالهم، وحدث ذلك بالضبط مع “إدسون أرانتيس دوناسيمنتو” النجم البرازيلي الشهير بـ “بيليه” الذي يعده الكثيرون أعظم لاعب كرة قدم في التاريخ، الذي توفي الخميس بعد صراع طويل مع المرض.
*مولده..
ولد في ولاية ميناس جيراس في 23 أكتوبر 1940، وخطف أنظار العالم مبكرًا عندما شارك في كأس العالم عام 1958 بالسويد، وهو لم يكمل الـ 18 من العمر، حيث قاد منتخب البرازيل للفوز بكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها بفضل موهبته الفذة.
خطف اللاعب الشاب ألباب المشاهدين بأدائه الساحر؛ لأنه جمع مواهب كروية خارقة لم يماثله فيها أحد من اللاعبين حينها، وكانت لياقة بيليه البدنية عالية ومراوغاته ممتازة وتمريراته متقنة وسرعته فائقة وتفكيره سريعًا، إذ كان يقوم بأشياء خارجة عن المألوف مما أدخله في قلوب محبي الساحرة المستديرة حول العالم.
* قدوة للصغار.. وتواضع كبير..
كان بيليه أحد الرياضيين المشاهير القلائل الذين رفضوا الترويج لإعلانات التبغ أو الكحول؛ لأنه حسب قوله يريد أن يكون قدوة لجميع الرياضيين ومثالًا يحتذي به الأطفال، فالمال لم يكن يومًا هدف بيليه بالذات، وإن كانت الشركات تتهافت عليه للتعاقد معه، لكن غايته أن يكون سفيرًا لكرة القدم التي أعطته الشهرة والمجد فأعطاها اللمسة السحرية المميزة، وعين سفيرًا لمنظمة اليونسيكو ليساهم في نشر الثقافة والتعليم في العالم.
وامتاز بيليه بتواضعه الجم على الرغم من شهرته التي تخطت كل الحدود، فهو يحب الجميع صغارًا وكبارًا، ولا يرفض طلبًا للتوقيع لأحد المعجبين، أو أخذ صور تذكارية معهم، وكان همه أن يسعد عشاق اللعبة الذين أتوا لمشاهدة فنه الرفيع وأدائه الساحر.
* بداية متواضعة وفقر شديد..
مارس بيليه كرة القدم ككل برازيلي مع أترابه في الشوارع والأزقة، وكانت الكرة عبارة عن لفافات ورق مستديرة تتيح لهم ممارسة رياضتهم المفضلة، والسبب بالطبع يعود إلى الفقر المدقع الذي كان يعيشه بيليه، عندما كان ماسحًا للأحذية في إحدى ضواحي مدينته لكسب قوته.
وحصل بيليه على أول حذاء له في الـ 11 من عمره، وانضم بعدها إلى نادي أتلتيكو في ساو باولو وأخذ يصقل موهبته. وخلال إحدى المباريات لفت أنظار أحد مدربي سانتوس، وهو اللاعب الشهير فالديمار دي بريتو فضمه إلى النادي العريق الذي استمر معه 17 عامًا وصل خلالها إلى القمة.
* بيليه وكأس العالم..
طموح بيليه تخطى حدود نادي نادي أتلتيكو عندما اختاره مدرب المنتخب آنذاك فيتشنتي ميولا للدفاع عن ألوان بلاده، وكانت أول مباراة دولية له ضد منتخب الأرجنتين الغريم اللدود للمنتخب البرازيلي ومنافسه على زعامة الكرة في أمريكا الجنوبية.
ومع اقتراب كأس العالم 1958، ضمن بيليه مركزًا له ضمن المنتخب المشارك في النهائيات، وشهدت البطولة تحولًا كبيرًا في مسار حياته؛ إذ بات أصغر لاعب في العالم يقود منتخب بلاده إلى إحراز اللقب للمرة الأولى.
ولم يلعب بيليه في المباراتين الأوليين للبرازيل ضد إنجلترا والنمسا، لكنه شارك في الثالثة ضد الاتحاد السوفييتي التي انتهت بفوز البرازيل 2-0، ثم خاض أول مباراة أساسيًا ضد ويلز في ربع النهائي وسجل هدف المباراة الوحيد ليطير بمنتخب بلاده إلى نصف النهائي حيث تألق وهز شباك فرنسا 3 مرات لتتأهل البرازيل إلى المباراة النهائية.
وفي النهائي، أخرج بيليه كل ما في جعبته من فنون اللعبة وسجل هدفين في منتهى الروعة ضد السويد (5-2) لتظفر البرازيل بالكأس.
وفي عام 1962، دافعت البرازيل عن لقبها بنجاح في تشيلي لكن بيليه لم يلعب سوى مباراة واحدة إثر إصابة بالغة تعرض لها في المباراة ضد السويد بسبب خشونة المدافعين.
وشارك بيليه في كأس العالم عام 1966 التي أقيمت في إنجلترا، ولعب المباراة الأولى ضد بلغاريا وسجل هدفًا، لكنه أصيب بسبب الخشونة المتعمدة من اللاعبين البلغار خصوصًا المدافع ييتشيف، وتخلف عن المباراة الثانية التي خسرتها البرازيل أمام المجر 1-3، ولعب الثالثة ضد البرتغال ونال نصيبه من الركل والرفس فأصيب مرة ثانية ونقل على حمالة وخرجت معه البرازيل من البطولة بخسارتها الثانية 1-3.
**اعتزال الجوهرة ..
سيبقى 19 أكتوبر 1969، يومًا مشهودًا في حياة بيليه؛ لأنه سجل هدفه رقم 1000 في تاريخه على ملعب ماراكانا الشهير وأمام 120 ألف متفرج في مرمى فاسكو دا غاما من ركلة جزاء.
وفي العام 1970، أعلن بيليه رغبته في عدم تمثيل بلاده في نهائيات كأس العالم في المكسيك بسبب الخشونة التي تستهدفه وعدم حماية الحكام للاعبين البارزين من الضرب المتعمد، لكن لم تكن لديه الحيلة للإفلات أمام إلحاح الجمهور البرازيلي ورئيس البلاد آنذاك.
ولم يندم بيليه على قراره بمواصلة اللعب، وقدم أجمل عروضه في أجمل مونديال في التاريخ حيث أحرزت البرازيل اللقب للمرة الثالثة واحتفظت بكأس جول ريميه إلى الأبد.
وكان لا بد لبيليه أن يعتزل دوليًا وهو في أوج عطائه، فأقيمت له مباراة اعتزال على ملعب ماراكانا أمام 170 ألف متفرج جاؤوا ليشاهدوا سيد الكرة للمرة الأخيرة ضد يوغوسلافيا.
وفي نهاية المباراة وضع تاج من الذهب الخالص على رأس بيليه طاف به أرجاء الملعب حاملًا في يده قميصه الرقم 10 وهو يمسح الدموع من عينيه.
**انتقاله إلى أمريكا..
انتقل بيليه بعد ذلك إلى الولايات المتحدة ساعيًا لنشر اللعبة في بلد لا يعطي كرة القدم أي أهمية، فلعب في صفوف نيويورك كوزموس ضمن الدوري الأمريكي الشمالي للمحترفين، كما سعى إلى ترويج اللعبة تجاريًا وسينمائيًا، وظهر في أفلام عدة أبرزهما “الهروب إلى النصر” الذي جمعه مع الإنجليزي الراحل بوبي مور والأرجنتيني أوزفالدو أرديليس.
**أزمات صحية متكررة..
مر أسطورة كرة القدم بالعديد من الأزمات الصحية بحكم تقدمه في العمر، وفي عام 2014 عانى من التهاب حاد في المسالك البولية، اضطره لدخول غرفة العناية المركزة وخضع لغسيل الكلى، وسط قلق كبير حول العالم من احتمال وفاة اللاعب الذي يعد من بين الأبرز على مر التاريخ.
ولدى بيليه كلية واحدة فقط منذ كان لاعبًا، وتسبب كسر أحد الضلوع أثناء أدى المباريات بضرر في كليته اليمنى، التي تمت إزالتها في النهاية.
وفي عام 2016، كان من المقرر أن يضيء بيليه شعلة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي استضافتها مدينة ريو دي جانيرو، لكنه اضطر للغياب عن الحفل لظروف صحية أيضًا.
كما أنه يعاني من مشاكل في الفخذ. وفي فبراير 2020، طمأن بيليه معجبيه بشأن صحته العقلية، بعد تصريحات نجله إدينيو قال فيها إنه “منعزل” ويعاني “نوعًا معينًا من الاكتئاب”.
وأجرى بيليه عملية جراحية لاستئصال ورم في القولون، حيث أدخل مؤخرًا إلى مستشفى بمدينة ساو باولو، وخضع للعناية الفائقة، ورغم قلق محبيه حول العالم، طمأن “الملك” عشاقه برسالة عبر حسابه في (إنستغرام) قال فيها: “أصدقائي، أريد أن أحافظ على هدوء وإيجابية الجميع. أنا قوي، ولدي الكثير من الأمل وأتابع علاجي كالمعتاد. أود أن أشكر الفريق الطبي والتمريضي بأكمله على كل الرعاية التي تلقيتها. لدي الكثير من الإيمان بالله، وكل رسالة حب تصلني منكم في جميع أنحاء العالم تجعلني ممتلئًا بالطاقة. ومشاهدة البرازيل في كأس العالم أيضًا! شكرًا جزيلًا على كل شيء”.
ونُقل بيليه إلى مستشفى في ساو باولو في وقت سابق من هذا الأسبوع لإجراء ما وصفه الأطباء بأنه “إعادة تقييم” للعلاج الكيميائي الذي يخضع له منذ جراحة استئصال ورم في القولون في سبتمبر من العام الماضي.
وأضيء ملعب لوسيل في الدوحة، وبرج أسباير بجوار استاد خليفة، بصور بيليه يرتدي قميصه الشهير رقم 10.
وعلى كورنيش العاصمة القطرية، قامت عشرات الطائرات بدون طيار “درون” التي تضيء السماء كل ليلة، برسم قميص البرازيل يحمل اسم بيليه ورقم 10 على ظهره.
* بيليه في سطور..
– ولد في 23 أكتوبر 1940 في تريس كوراكوس (البرازيل)
– الجنسية برازيلي
– الوزن 74 كلغ الطول 170 سم
– شغل مركز مهاجم عندما كان لاعبًا
– دافع عن ألوان سانتوس (1956-1974) وكوزموس الأمريكي (1975-1977)
– قاد منتخب بلاده إلى الفوز 3 مرات بكأس العالم أعوام 1958 و1962 و1970.
– قاد فريقه سانتوس إلى الفوز مرتين بالكأس القارية (إنتركونتينونتال) عامي 1962 و1963
– قاد سانتوس إلى الفوز بكأس ليبرتادوريس عامي 1961 و1962 وبكأس البرازيل عام 1968
– قاد سانتوس إلى الفوز ببطولة ساو باولو 8 مرات أعوام 1958 و1960 و1961 و1962 و1964 و1967 و1968 و1974
– أحرز 11 مرة لقب أفضل هداف في بطولة ساو باولو بين عامي 1957 و1966 ثم في عام 1974
– قاد كوزموس الأمريكي إلى الفوز ببطولة الولايات المتحدة عام 1977
– خاض 92 مباراة دولية وسجل خلالها 77 هدفا
– خاض 1362 مباراة خلال مسيرته كلاعب وسجل خلالها 1282 هدفا.