الثامن عشر من ديسمبر من عام 1973م كان يوماً عالمياً مختلفاً. يومٌ للانتصار متميز. يومٌ للخلود باقٍ. يومٌ للعربية رفيع.
في ذلك اليوم صدر قرار أممي من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بأن تكون اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية ولغات العمل في منظمة الأمم المتحدة.
مضى نصف قرن على الاعتراف الأممي باللغة العربية. فما حال اللغة بعد نصف قرن؟ خذوا يا أرباب لغة الضاد عدداً من الأسئلة دون إجابات..
كم كان عدد من يتحدثون اللغة العربية قبل نصف قرن، وكم عددهم الآن؟
كم عدد المؤلفات المترجمة منها وإليها قبل نصف قرن، وكم بلغ عددها الآن؟
كم عدد مجامع اللغة قبل نصف قرن، وكم عددها الآن؟
سأروي لكم حكاية سريعة تتصل بتقدير اللغة والاهتمام بها والمحافظة عليها.
قبل أكثر من عشرة أعوام عُقِد في دولة آسيوية مؤتمر سُمِيَ: قمة الأمن النووي حضره زعماء عالميون.. أقام كاتب هذه الأسطر في فندق من فئة النجوم الخمسة، واستقر في غرفة ينطبق عليها وصف الفخامة.. بعدما استقر الساكن في غرفته أراد أن يشرب ماء، فتح الثلاجة الصغيرة التي توجدُ عادة في غرف الفنادق.. قلّب محتوياتها يريد قراءة ما كُتبَ على كل عُلبة ليعرِفَ المحتوى قبل أن يُدخِلَهُ جوفه.
ظل صاحبكم يقلّب متمنياً أن يجد معلومات كُتِبتْ باللغة العربية أو حتى بالإنجليزية، لكنَّ محاولاته باءت بالفشل، فكل ما كان مكتوباً على كل محتويات الثلاجة (يسمونها ميني بار Minibar) كان بلغة ذلك البلد..
كان ذلك الموقف، وما زال عالقاً في ذهن كاتبه.. يحضر ذلك الموقف إلى التفكير كلما تعلق الأمر باللغة، وكلما سمع دعوات للاعتزاز بها والإصرار عليها، وفرضها خياراً وطنياً..
المدهش أن تلك الدولة التي احتضنت ذلك المؤتمر العالمي هي اليوم دولة تصنّفُ دولة صناعية مزدهرة.. دولة ما زالت تصعد بقوة في سُلَم الاقتصاد العالمي.. وما زالت تحقق ازدهاراً صناعياً تنتج فيه صناعات ضخمة تستوردها مختلفُ دول العالم، وتُدر على بلدها ثروات هائلة..
فهل وصلت الرسالة؟ وآهٍ يا لغة الضاد..
هناك بيت شعرٍ ينسب للراحل أحمد شوقي:
إن الذي ملأ اللغاتِ محاسناً
جعلَ الجمالَ وسِرَهُ في الضادِ
أمس الأحد كان “يوم اللغة العربية” يا عرب.. فهل أنتم تتحدثون العربية فعلاً؟
ogaily_wass@