المتأكدون والمتيقنون لا يتعلمون كثيراً لأنهم لا يسألون ولا يتتبعون ولا يستشيرون فيصلون بهذا السلوك اليقيني الى حتمية الجمود والتقادم أمام عالم يموج بالمعرفة المستمرة والمتدفقة دون توقف كما وصفها فيلسوف القرن الماضي النمساوي كارل بوبر.
لذلك فإن أفضل طريقة لمواجهة اليقين هي طعنه بالشك والذي يعتبر السلاح الأسرع في استدراج المتيقنين ليعودوا لثوابتهم، ويبحثوا حول جدليات وعلل جديدة تمضي بيقينهم قدماً، فإن لم يفعلوا فإنهم لن يستغربوا سحب الثقة عن قناعاتهم من العامة والخاصة وزوال الهيبة المعرفية المبنية على يقين غير قابل للجدل العلمي والنقاش الفلسفي العميق والمباشر.
من يشك فهو في حقيقة الأمر يفتح مزيداً من الغرف في عقله ويؤثثها بما يليق بها من التأملات والمقاربات والمقارنات والتحليلات والمشاهدات والاختبارات لتكون مكاناً مناسبا لاستقبال ضيوف معرفيين جدد يبحثون عن صيرورة العلم وتقدم الحضارة ونمو الإنسان وتحريره من أغلال الثوابت بلا دليل والقناعات بلا حجج.
من يشك يرشق من يتيقن بالأسئلة المعتبرة ليخرجه بديناميكية شهية من عزلته ويحرره من انكفائه على الإجابات الراكدة منذ سنين، من يشك شجاع لأنه يسائل منطلقاً من المبادئ العشر التي اتخذها بيرون في مدرسة الشكاك والتي ترى أن القطعية في الأحكام لا تليق في عالم يموج بالنسبية في جنس الشخص المدرِك والموضوع المدرَك، فوجه المرء الجميل بسبب حمرته عند البعض قد يكون بشعاً لدى البعض الآخر لأنه أحمر بسبب قربه من مصدر اللهب، والنيزك الذي يبدو مميزاً لا يكون بهذا الوصف إلا بسبب ندرة رؤيته وهكذا.
وعليه يمكن إغلاق هذا الحديث بالقول انه بالشك تتأصل المعرفة وتنمو الجدليات المفيدة وتصدق نبوءة الفرنسي ديكارت الفلسفية الذي قال: إذا أردت أن تكون باحثاً صادقاً عن الحقيقة، فمن الضروري أن تشك، ما لا يقل عن مرة واحدة في حياتك، بقدر الإمكان، في كل الأشياء”.
dralaaraj@