جدة – البلاد
استحضرت رواشين بيوت جدة القديمة الماضي العريق للمدينة، ومنها بيت نور ولي التاريخي في حارة اليمن بالمنطقة التاريخية الذي بني قبل 150 عاماً وفق الطراز المعماري التقليدي الجميل، ولا تزال نوافذه الخشبية الخارجية محتفظة برونقها وألوانها، مشتملاً على 15 غرفة، منها المكتب التجاري للعائلة إضافة لعدة قاعات وغرف كبيرة.
وتتشابه مباني جدة قديماً في عدد طوابقها، إذ يتراوح ارتفاعها بين 4 و5 طوابق، كما تتشابه في واجهاتها المصنوعة من خشب: الساج الهندي والجاوي الذي يوفر التهوية الطبيعية للمنازل، ولأن استخدام الزجاج لم يكن شائعاً حينها، فقد استخدم الأهالي الرواشين والمشربيات المزخرفة لتغطية النوافذ، أما الأبواب فكانت تصنع من لوحين ثقيلين من خشب الساج، وفيها فتحة صغيرة للرؤية.
واشتمل البيت على فتحات خاصة خارجه يفرغ فيه السقاؤون الماء دون الدخول إلى البيت الذي مصمم بشكل هندسي لا يتوفر في البيوت كلهم آنذاك، حيث كان في أسفله بئر، وفي أعلى السطح مرزاب تمر من خلاله مياه الأمطار عند هطولها إلى صهريج أرضي.
ويطل بيت نور ولي على الشارع الفاصل بين حارة اليمن والمظلوم، ويتكون من أربعة طوابق مبنية من الحجر المنقبي حسب نمط العمارة القديم في جدة.
وفي السياق نفسه لا تزال الرواشين تقف بإطلالتها على عدد من مباني مدينة جدة، كشاهد على طراز معماري انصهرت فيه ثقافات متعددة، وتعتبر الرواشين إحدى السمات المعمارية البارزة في جدة خاصة في الأحياء القديمة منها، ورغم انحسار صناعة الرواشين؛ بسبب تأثير الحياة المعاصرة، إلا أنه في ظل عودة الاهتمام بمنطقة جدة التاريخية بعد تسجيلها كأحد مواقع التراث العالمي، أعيد الاهتمام لهذا الطراز المعماري الجميل، حيث شهدت الكثير من المباني إعادة ترميم لرواشينها ليستعيد هذا الطراز مكانته الجميلة ونضارته.
كما بقيت رواشين المنطقة التاريخية بجدة، رغم مرور الزمن شاهدة على الطراز المعماري التقليدي للبيوت المنتشرة في حارات المنطقة العتيقة وهي: (الشام، والمظلوم، والبحر، واليمن)؛ وذلك في استحضارٍ للماضي العريق ونمط حياة الآباء والأجداد وتقاربهم الاجتماعي.
وتعرف الرواشين بأنها النافذة أو الشرفة البارزة المصنوعة من أجود ألواح الخشب، والتي تستخدم في تغطية النوافذ والفتحات الخارجية، حيث يتم نحتها “بفن الأرابيسك” وهو عبارة عن أنماط ونماذج هندسية معقدة تخرج في هيئة زخارف متشابكة ومتداخلة ومتقاطعة.
وتتميز بجمالها ورونق تصميمها التي كانت وما زالت تمثل أصالة الزمان والمكان للطراز المعماري الحجازي القديم، مما حول المنطقة التاريخية بجدة لتكون في قائمة التراث العمراني العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونيسكو” عام 2014م.
وللرواشين أنواع مختلفة، حسب المهتمين بتراث المنطقة التاريخية بجدة، منها: “المسمط” وهو عبارة عن بروز بسيطة عن الجدار على هيئة صندوق يمتد عادة من الطابق العلوي للمنزل حتى قاعدته أو أساساته في الدور الأرضي، و”البارز” الذي يتميز عن سابقه بأنه أكثر تنميقًا وإتقانًا، وعادة ما يتم وضعه فوق مدخل المنزل، وتظهر فيه المقرنصات المتدلية والدعائم والكوابل المزخرفة، ومنها “روشان مع شرفة” الذي يتكون من وحدات منفردة توزع ضمن الإطار العام للشكل المميز لواجهة المنزل.
وتعمل على تخفيف درجات الحرارة قديماً، وذلك بطريقتها الفنية التي تسمح بدخول الهواء الخارجي للمنزل وعملها على تكييفه، كما عرفت صناعتها في أواخر القرن السادس الهجري على الأرجح، وصارت طابعًا مميزًا لعمارة المدينة منذ منتصف القرن السابع الهجري. وتتميز رواشين جدة عن مرادفاتها في العالم الإسلامي بأنها الأكثر ارتفاعًا والأكبر حجمًا، وهي تركب في صفوف متراصة، وكثيرًا ما تمتد وتتواصل من الطابق الأرضي، وحتى الأدوار العليا، أو تمتد أفقيًا حول الأدوار العليا، فتكاد تغطي واجهة المنزل بأكملها. وتنحصر في ثلاثة ألوان هي: الخشبي، والبني بكل درجاته، واللون الأخضر، وتتميز بوجه عام بالوحدات التصميمية الجمالية، التي تبرز على الجدران في المباني، وتطل على الشارع، أو على الفناء الأوسط؛ حيث تستند على دعائم ناتئة “كوابل” من الخشب، وتظهر فيها مهارات النجارين من خلال المشغولات الخشبية للقطاعات المتشابكة والطنف والأفاريز المائلة ومصارع النوافذ، وغالبًا ما تكون مزودة بشيش يتألف من ستائر شبكية صغيرة.