حلم الإنسان منذ الأزل أن يرى المجهول .. وأن يشاهد ما يجري وراء الطبيعة .. وأن يستشرف المستقبل وما يخفيه .. وأن يخترق الحواجز والأجساد والأشياء كي يكتشف طريقة عملها .. إنها الفطرة الجوعى للمجهول.
وبالرغم من ذلك ومن قديم الزمان أيضا .. يسعى الإنسان حثيثا وبنفسه كي يعيش خلف الحواجز والجدران ليستر نفسه من عيون الغرباء والفضوليين .. وأن يعيش في أمان من تقلبات الأجواء وعوامل الطبيعة .. وأن يحافظ على سلامته وخصوصيته.
ومن نتائج هذه الترتيبات التي ارتضاها الإنسان على نفسه .. ظهرت حاجة معاكسة لدى بعض أجهزة البوليس في العالم منذ خمسينات القرن الماضي .. لمراقبة المشتبه بهم والمجرمين .. فلجأوا الى حفر ثقوب في جدران المكاتب والمنازل وغرف الفنادق وغيرها .. كي يتلصصوا ويتنصتوا على ما يدور خلف تلك الجدران.
وأخيرا تمكن الإنسان من أن يرى ما يجري خلف الغرف والجدران والحواجز من خلال تطوير تكنولوجيا اخترعها العلماء .. حتى وصلت اليوم الى إنتاج رادارات خاصة ترصد ما يدور خلف الجدران ومن ثم يعاد تسجيلها ورسمها عبر تطبيقات إلكترونية يمكن فك رموزها بواسطة الذكاء الإصطناعي وخوارزمياته .. كي تصبح صورا طبيعية واضحة وحية ويمكن مشاهدتها عبر الشاشات حيث ستساعد هذه التقنية على الحصول على إجابات لأسئلة تتعلق بالأمن والسلامة .
ومن هذه الأسئلة .. ماذا يدور داخل منزل أو مكان معين .. وكم عد الأشخاص وأعمارهم ومن هم .. وما هي محتويات المكان من أجهزة ومعدات وأثاث .. وما هي أحجامها وأوزانها .. وما نوعية النشاط الذي يدور هناك .. وكم عدد الأبواب والنوافذ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تهم رجال الأمن والسلامة والإنقاذ والبحث الجنائي .. الى جانب التطبيقات العسكرية أثناء السلم والحروب .
ولكن ماذا لو تمكن عامة الناس القادرين على شراء وإمتلاك واستعمال هذه التقنيات .. وتسخيرها لأغراض شريرة .. أو للتسلية وإشباع رغباتهم في التلصص على جيرانهم والغرباء من حولهم .. كيف سيكون تأثير ذلك على المجتمعات والعلاقات الإنسانية بين البشر عموما والأهل والأصدقاء خصوصا .. وما مدي صعوبة التعايش بينهم في هذه الأجواء المكشوفة والمسمومة؟.