كُلُّنا ضمن ركب الرَّاحلين، وتلك هي الأيام والليال، وسيرة أولئك الرجال، ممن حانت ساعة الرحيل، وفي ساعة مُبكرة من صباح الاثنين الماضي، وبعد عودتي من أداء صلاة الفجر، حيث أستعد لكتابة مقالي الأسبوعي، لصفحة الرأي بجريدة البلاد، وأنا بداخل مكتبتي المتواضعة، وبالرغم من جاهزية موضوع المقال، وإذا بي أتصفَّح بعض وسائل التواصل الاجتماعي،
فاجأتني عدد من الأخبار العاجلة، على حساب بعض القيادات التربوية المعروفة، تنعي زميلهم الأستاذ محمد علي عودة الحازمي، الرائد التربوي وأبرز رجال التربية، استاذنا وجيل من رفاق الدرب، من أبناء جيلي، يوم كانت صناعة الابداع نادرة، في زمن قلَّ فيه الكثير من الإمكانيات، ونحن طلاب مدرسة الحسين بن علي الابتدائية، وذكريات الطفولة، في مسقط الرأس ثول، ومحدودية الزملاء داخل حجرة الدراسة. كان ذلك الرائد المبدع، يستثمر فترة الفسحة الكبيرة، ليخلو بنفسه بإحدى الحُجرات، ويقوم برسم خريطتين، استعدادا للحصة الرابعة لمادة الجغرافيا، التي تلي فترة الفسحة الكبيرة مباشرة، أحد هذه الخرائط لتوزيع المدن، لأحدى الدول العربية أو الأوروبية، بحسب المنهج المقرر، واضعا مكان المدينة دائرة صغيرة، دون ذكر اسم المدينة، (نظام الخرائط الصَّماء)، والخريطة الثانية لتضاريس تلك الدولة، يتم تصميم الخريطتين كأجمل! ما يكون التصميم، بإمكانيات أقل من المتواضعة آنذاك، حيث فرضت الطباشير الملونة جمال الخريطة، أثناء سير الحصة، وبأفضل طرق التَّدريس الحوارية، بين معلم المادة وطلابه، ليُحدد لاحقاً الطالب، المدينة في مكانها على الخريطة، وحدود الدولة، ومعرفة تضاريسها ومناخها، بطريقة مُشَوِّقَة ومحفزة للأذهان، لترسيخ المعلومة، حتى أنه يصف التشبيه التقريبي، لشكل خريطة تلك الدولة.
ومن جماليات الابداع ذات صباح، وجدته يَحِيكُ شبكة لكرة الطائرة، في زمن قلَّما تجد شبكة، بمثل تلك المميزات التي صنعتها أنامل ذلك المبدع، من حبال الشريط، وهي عبارة عن ألياف النخيل، وكأنها قطعة فنية من نسيج الصُّوف، لخيمة من شَعَر الأغنام، كأحد استثمار مكونات البيئة القروية، ولكنه الجمال وحده، الذي كان حاضرا، علماً بأن الشبكة ظلت قابعة بمكانها، لمدة اقتربت من الشهر، بوضع التثبيت على الأرض، ومعظم الطلاب كان ينتظر جاهزيتها بشغف، لتدشين ملعب كرة الطائرة، في الساحة الرياضية المفتوحة، وزاد من كرم الأستاذ الحازمي رحمه الله، أنه استضاف جميع طلاب الصف السادس الابتدائي، مع مدير المدرسة، الأستاذ القدير حامد شريقي الكنيدري رحمه الله، على مائدته الرابغية بداره العامرة بحي الحوازم، حيث كُنَّا نؤدي اختبارات الشهادة الابتدائية، في محافظة رابغ، وفق أنظمة الاختبارات، التي كانت تنفذها وزارة المعارف.