اليوم، يوم الوطن، أجل.. إنه يوم شكر المنعم الوهَّاب والثناء عليه، الذي يسَّر لنا وطناً ليس مثله في الدنيا وطن.. فيه أقدس بقاع الأرض وأحبها إلى الله عزَّ وجلَّ وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يتَّجه إليه المسلمون في صلواتهم حيثما كانوا، ويتوافدون إليه زرافات ووحداناً من كل فجٍّ عميق، للحج والعمرة والزيارة.. ويشد إليه زعماء الدول التي تُسمِّي نفسها (دولاً عظمى) الرِّحال من الشرق والغرب صباح مساء، طلباً للدعم والمساعدة والرأي السَّديد، وتشرئب إليه أعناق الناس في قارات الدنيا كلها، للعمل والتمتع بحياة ملؤها العدل والأمن والأمان والاستقرار.
وهكذا تؤمه كل عام ملايين البشر، لاسيَّما في مواسم الحج والعمرة، لكنه مع هذا، بحمد الله وتوفيقه، لم يحدث أن شكا الناس فيه يوماً نقص خبز، أو أزمة مواصلات، أو رداءة طريق، أو غياب طبيب، أو حتى نقص ماء، مع أنه أكثر بلاد الدنيا التي تعاني شُحَّ المياه العذبة الصالحة للشرب والزراعة.
أجل.. في يوم الوطن، علينا جميعاً الابتهال إلى المنعم الوهَّاب، الذي يسَّر لنا وطناً شامخاً راسخاً ثابتاً آمناً مطمئناً مستقراً، غدا شامة بين دول العالم، بعد أن كنَّا قبائل متفرقة متناحرة، يقتل بعضها بعضاً على الكلأ والماء والنفوذ.. الداخل إليه مفقود، والخارج منه مولود. هكذا كنا، حتى يوم الخامس من شوال عام 1319ه، الموافق للخامس عشر من شهر يناير عام 1902م.. يوم نادى المنادي من أعلى حصن المصمك: أَنِ الملك لله، ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن. في ذلك اليوم المهيب، كتب المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، ورجاله الرُّواد الأوفياء، الصفحة الأولى في سفر تاريخنا الخالد، إذ تغيرت خارطة شبه الجزيرة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها، بعد أن أسَّس عبد العزيز وطناً شامخاً، دستوره كتاب الله العزيز الحميد، ثم سُنَّة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه. فبسط عبد العزيز الأمن وأشاع العدل المجرد من كل هوىً. كان عبد العزيز صادقاً، أراد استعادة ملك آبائه وأجداده خدمة لرسالة بلاده السَّامية العظيمة في رعاية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ورعاية ضيوف الرحمن وشؤون المسلمين حيثما كانوا، والمحافظة على استقلال بلاده وراحة شعبه وتحقيق أمنهم واستقرارهم.. كان يرى نفسه والداً لأسرة كبيرة هي كل شعبه.
وعلى كل حال، يصعب كثيراً، إن لم يكن يستحيل، إحصاء صفات هذا البطل الفذ القيادية الاستثنائية، التي قلَّما اجتمعت لقائد غيره في عصره، من شجاعة وإقدام، وذكاءٍ وحكمة وحلم، وعدل وجود وكرم وسماحة وتواضع وزهد. وقبل هذا وذاك، خشية لله سبحانه وتعالى في السِّر والعلن، وحسن ظن به عزَّ و جلَّ. وقطعاً، كل من يقرأ سيرة عبد العزيز، يدرك للوهلة الأولى أن عدله كان استثنائياً حقَّاً، ولهذا وصفه المؤرخون والشعراء بعدل الفاروق وعدل الرشيد وعدل التابعين. وعلى كل حال، يصعب كثيراً حقَّاً، إن لم يكن يستحيل، أن يتحدث الإنسان عن صفات هذا البطل الفذ، بطل الملاحم والوغى، مهما أُتِي من قدرة على التعبير والخطابة، بل قل يصعب أن يوفي الباحث المجد حتى صفة وحيدة فقط من صفات هذا البطل الكبير القيادية الفريدة النادرة حقَّها من البحث والتفصيل.
ولهذا رأيت أن أكتفي في نهاية مقالي هذا، ونحن نحتفي بالذكرى الثانية والتسعين ليومنا الوطني الخالد، بمناشدة الجميع الثناء على المنعم الوهَّاب، الذي تفضَّل علينا بوطنٍ غالٍ، ليس مثله في الدنيا وطن؛ وهيأ لنا قيادة وطنية بامتياز، من عبد العزيز حتى سلمان، أوقفت حياتها كلها لحماية استقلال بلادنا، واستمرار قافلة خيرنا القاصدة، وتوفير أمننا وأماننا واستقرارنا ورخائنا.
فالحمد لله المنعم الوهَّاب الذي تواضع كل شيء لعظمته، واستسلم كل شيء لقدرته، وخضع كل شيء لملكه، وذلَّ كل شيء لعزَّته، على جزيل نعمه ووافر خيره وعطائه.. وكل عام قيادتنا بخير وصحة وعافية، وبلادنا في أمن وأمان واطمئنان واستقرار، وشعبنا في نعيم ورخاء وسعادة وهناء.