الوطن هذا المكان الذي ارتبط به الإنسان، وسكنه روحاً وجسداً، وهام به حباً وحنيناً، هام بصحرائه الواسعة، وجباله المتنوعة، وأوديته باختلاف أبعادها، كما هام بسمائه وجمالها، وهوائه بنسيمه ورياحه، ورياضه المزهرة، ومراتعه الممرعة، وخيرات مزارعه،كما أحب بحاره بشواطئها الجميلة وسواحلها الساحرة.
وارتبط حبّ الإنسان بهذا الوطن وعبّر عن ذلك بشعر الحنين إلى الديار والوطن والأرض، وشعر الشوق والحنين إلى الوطن تعبير حقيقي عن الحبّ إلى أول موقع سكن فيه صاحبه وجال في مرابعه، ويزداد الحنين إذا ابتعد عن تلك الديار، وتذكّر الأهل والأحباب، والأمجاد الغابرة، ويتغلغل الشوق في النفس عندما يقف الشاعر على الأطلال ويبكيها، وتؤثر رقة الشعر على مشاعر ومسارات تفكير العقول خاصة لدى فئة الشباب، ومن ثم في سن القابلية للاحتواء وتوهج الاستجابة،وأغلب شعر الحب للمواقع له صلة وثيقة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، والمواقع التي تنزّل بها الوحي، وهناك ارتباط وثيق لمفردات المواطنة بالإسلام ولاسيما وأن سياسة المملكة العربية السعودية تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدةً وعبادةً وخلقاً وشريعةً وحكماً، ونظاماً متكاملاً للحياة، ولذا فإن ذكرى اليوم الوطني يثير في النفس حبّ المكان، ويولد الاعتزاز به والوقوف للدفاع عنه والتضحية له بكل غالٍ ونفيس، وهناك مئات المواقع تم تناولها بكلمات الحب والمشاعر الفياضة، وهي نصوص أدبية راقية تثري ثقافة المواطن وتغرس في نفسه الحب، وتتحول المواطنة بذلك إلى فعل وسلوك وأخلاق، كما تعمل على اكتساب المعارف والقدرات والقيم والاتجاهات لدى الطلاب والطالبات ، بل وكلّ مواطن ومواطنة في أي موقع من أرجاء الوطن، إضافة إلى إيجاد الروابط المتينة بين المبادئ الأخلاقية والقيم الوطنية ومهارات الحياة المعاصرة بكلّ مكوناتها، وتركز المعلومة المرتبطة بالصورة المعبرة على مفردات الآثار باختلاف أنواعها، وآثار الوطن سجل للتاريخ الناطق وربّ رسم أو نقش أو صورة أو أداة أو آنية يتم العثور عليها تصحيح معلومة تاريخية وتظهر رؤية جديدة أو تكشف غموضاً كان موجوداً لدى الباحثين أو تدل على حلقة كانت مفقودة تربط بين الحقب الزمنية.
وعند ما يقف الإنسان على حضارات الأمم السابقة في وطننا الغالي تأخذه الدهشة ولايجد الكلمات المناسبة لوصف ما أمامه من بقايا تلك الحضارات، ولا يكون الكاتب مبالغاً إذا قال: إن مساحة المملكة العربية السعودية على اتساعها في كلّ جزء منها تاريخ، وفي كلّ زاوية حضارة، فهي مستودع للتاريخ والحضارات فأينما توجهت خلال هذه المساحات الشاسعة ستجد مدناً ذات عبق تاريخي، عاشت بها أمم وتركت حضارة وثقافة أثبت القرآن الكريم تلك الأمة ووصف الحضارة التي تركتها مثل: الحجر وخيبر والأخدود أو قد تجد وصفها – إن لم تزرها- في المصادر التاريخية الموثقة مثل الفاو وتيماء ودومة الجندل وغيرها من عشرات المواقع الحضارية في هذا الوطن الغالي، يدلّ على ذلك: بقايا المدن المندثرة، الحصون القديمة المتهدمة، وبقايا الأسواق مثل: سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز، سوق ذي مجنة، سوق حجر، سوق هجر، سوق تيماء ، سوق دومة الجندل، سوق النطاة، سوق المعتدل ( القرح ) وأسواق أخرى متعددة، وإضافة إلى ذلك هناك طرق تجارية قديمة وطرق للحج ذخرت بآثار متنوعة، سواء كانت عمارة دينية مثل: المساجد والجوامع والمصليات أو عمارة مدنية مثل: القصور، والمنازل السكنية، أو عمارة تجارية مثل: الحوانيت، والأفران، والمخازن، أو عمارة دفاعية مثل: القلاع، والحصون، والأسوار والخنادق، أو عمارة المنشآت المائية مثل: الآبار، والبرك، والأحواض والخزانات والقنوات والعيون، أو مرافق عامة مثل: الخانات ودور الضيافة أو مرافق إدارية مثل: مركز صاحب البريد، ومركز المشرف والمسؤول العام عن المحطة.
وعلى الطرق القديمة تجد التلال الأثرية، والمذيلات الحجرية والعلامات الأخرى التي نصبت على امتداد مسافات محددة من الطريق، وتلك المواقع سواء كانت مدناً أثرية أو طرقاً تجارية أو طرقاً للحج تعتبر كنزاً ثميناً للباحثين عن الآثار وهي في نفس الوقت تعتبر الماضي المجيد للوطن وجبت المحافظة عليها وإذا لم يحافظ عليها فقد فرط الون في أعز ما يملك .
وذكرى اليوم الوطني بكل عناصره ومؤسساته ترسخ مفهوم المواطنة وتذكر المواطن ما عليه من واجبات وحقوق تجاه الوطن، وكلها تهدف إلى تعزيز الفرد بالانتماء إلى مجتمعه، ووطنه، وقيمه ونظامه، وبيئته الثقافية، وتركز على القيم العليا مثل الأمانة والصدق، والإيثار، وتطبيق الخلق الرفيع في التعامل واحترام الآخرين بما في ذلك حقوق الوالدين واحترام آراء الآخرين، وأداء الواجبات، والتمسك بحقوق والإيمان بوحدة الوطن، المملكة العربية، ويحمي إنجازات ومكتسبات الوطن، والمحافظة على استقراره، وكلّ ما حث عليه الدين يوظف لخدمة نشر الرسالة واستثمار ذلك لخدمة الوطن. واليوم الوطني نقطة انطلاق متجددة لتأكيد حب الوطن .
أقول إن التطور العمراني والاهتمام الكبير الذي حظي به وطننا الغالي في العهد السعودي الزاهر – حفظه الله – لهو برهانٌ واضحٌ على اهتمام الدولة السعودية لها ومآثرها وكلّ من يرى هذه التوسعة الكبيرة وغيرها من الإنجازات الكبرى، يشكر الدولة السعودية والقائمين عليها ويدعو لهم بالخير والصحة والعافية، وعلى المواطن والمواطنة المساهمة في بنائها وازدهارها والحفاظ على ممتلكاتها وآثارها ومآثرها.