عاد الملايين من طلابنا للمدارس إلى رحلة التعلم من أجل العيش ومن أجل الانجاز ومن أجل الوطن والبشرية. الأحد كان اليوم رقم ١ في عام دراسي يجب أن يكون اليوم رقم ١ في فكر دراسي مختلف.
المدرسة ومثلها الكلية والجامعة لم تعد تلك المباني الخرسانية أو الخشبية التي يأتي اليها الطلاب كمستقبلي معرفة وفق الفهم المعاصر للتربية والثقافة والتعلم ووفق كثير من نظريات التعليم من أجل النماء، هذه المنشآت أيضا لم تعد أماكن تجمع الدارسين لينهلوا من معرفة وخبرة الأستاذ الذي يقف أمامهم منفردًا، هذه المنشآت أيضا لم تعد مقبولة كمكان حصري يلتقي فيه مجموعة من التلاميذ ليقضوا وقتًا طويلًا مستمعين ومتلقين للمعارف مع كامل الانضباط في الدخول والخروج والتنقل بين المواد وفق زمن معلوم ومنهج محدد يجب الانتهاء منه قبل أن يلفظ العام الدراسي أنفاسه.
المدرسة ومثلها الجامعة – كما افهمهما – يجب أن يكونا مكانين للاستماع للعقول الواعدة والأفكار المتعددة والتطلعات الطموحة للطلاب. المعرفة أحادية الاتجاه المبنية على المعلم كمرسل والطالب كمستقبل لا تحدث غالبًا حراكا فكريا معرفيا بقدر ما توجه نمط التفكير وتحد من قيمة الابداع الخلّاق بل وتنتج عقلًا خاملًا يسير باتجاه تعلم محدد لايستطيع مقاومة المستجدات أو التفكير اللامألوف.
صوت الطالب في المحضن التعليمي بكامل مراحله يجب أن يكون أساس المعرفة! الاستماع الى رأيه حول المادة المطروحة للتعلم وتقبل وجهة نظره وتلبية احتياجاته الجدلية والتفاوضية سيصنع فرقا كبيرًا في فكر الجيل القادم المتعطش لمستقبل يليق بحجم وتطلعات وطنه. صوت الطالب لا يمكن فهمه على أنه مجرد “إجابة” عن سؤال، أو تبرير عن سبب تأخر عن الحضور، أو اعتذار عن عدم حل فروض مطلوبة، أو اجتياز اختبار معين، بل يجب أن يكون صوت شريك حقيقي في العملية التعليمية ليحقق القيم العظيمة للتعلم المبني على الطالب student- led learning.
صوت الطالب لن يكون نشازًا في العملية التعليمية حينما يمنح الوقت لتبرير الموقف الجدلي من فكرة علمية أو نص أدبي أو معادلة رياضية، وصوته سيكون نغمًا جميلًا حينما يشتعل فكره الناقد تجاه بدائل معرفية وأفكار مغايرة وربما حجج مضادة توسع دائرة التعلم وتشعل فتيل النقاش الصحي بين الأقران.
نريد من المعلم أن يسمع أكثر مما يتحدث، وأن يسأل ويناقش أكثر مما يجيب، وأن يعطي مساحة لأنماط التعلم أوسع بكثير من قيود الوقت ومحددات المقرر، وأن يتواجد كميسّر facilitator للتعليم لا كمصدر حصري لها، وأن يشرع أبواب التعلم خارج القاعة! وأن يستمتع مع طلابه وهو يرى فكرهم النيّر ينمو يومًا بعد يوم، غدًا نريد أن نبدأ قصة جديدة ومختلفة تليق بهذه العقول وبهذا الوطن الجميل.
dralaaraj@