إن العصر الراهن يتسم بالطفرات المتلاحقة والمتسارعة لوسائل التقنية الحديثة التي أضحت متاحة للجميع مع سهولة استخدامها إيجاباً أو سلباً من جانب الأفراد، وقد استصحب ذلك سوء استخدام لتلك الوسائل من البعض ونشر الإشاعة التي لها تعريفات شتى منها أنها خبر مجهول المصدر لا يؤكد الصحة ويتم تناقله شفاهة غالباً وهو قابل للتصديق والانتشار.
والشائعات لها أضرار خطيرة لا يتسع المقام لسردها جميعا فعلى سبيل المثال فإنها تؤدي إلى خصومة الأصدقاء والإخوة وتهدم الأسر وتنشر الحسد والبغضاء والعداوة التي قد يستتبعها جرائم كالقتل وغيره، أما على صعيد المجتمع فهي مدعاة للاضطرابات والبلبلة والمساس بأمن واستقرار المجتمع وإضعافه وزعزعة إيمانه بمبادئه وقيمه، وفي مجمل القول فإنها أشد ألوان الحروب النفسية فتكاً بالمجتمعات، لذا يذهب بعض المختصين إلى اعتبار مروجيها من المفسدين في الأرض الذين يجب أن تطبق في حقهم أشد العقوبات لردعهم.
وقد حذر ديننا الحنيف من الكذب وإشاعته ووصف المولى جل وعلا مختلق ومروج الإشاعة بالفاسق في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا …) وبالكاذب في قوله (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)، أما سامع الإشاعة فقد أمره المولى بالتثبت والتحقق وعدم تصديق كل ما ينقل إليه حتى لا يصبح ضحية للندم.
وهنالك أهمية لتحصين المجتمع وحمايته من أخطار الشائعات بدءاً من مرحلة نشأة الأطفال وتربيتهم على أسس قويمة وغرس القيم السامية في نفوسهم بترك الشخص كل ما لا يعنيه وتقصي الخبر من مصادر موثوقة وأن يهتدوا بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) بجانب أهمية التثبت في نقل الأخبار وإخماد الشائعة في مهدها كما يجب علينا أن نعلمهم فضيلة الصدق وأهميتها في حياتهم.
أما وسائل الإعلام المختلفة فيقع على عاتقها أدوار ومسؤوليات في مواجهة الشائعات منها تكذيب الشائعة لحظة صدورها وبث برامج لتوعية الأفراد بأضرارها وتوفير المعلومات الصحيحة عن موضوع الإشاعة بالسرعة المطلوبة، والاستعانة بالشخصيات التي تحظى باحترام الآخرين في التصدي للشائعات، وإقامة الفعاليات عن خطورة الشائعات في كافة البرامج والصحف ، فضلاً عن معاقبة مروجي الشائعات وفق قوانين صارمة لتكون جزاءً لكل من يقدم على اختلاق الشائعات التي تستصحب أضراراً كبيرة ومتعددة في ظل الانفتاح الإعلامي والاستخدام الخاطئ للتقنية الحديثة.
بقيت الإشارة إلى أن نشر الشائعات والأكاذيب المتصلة بالنظام العام خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُعتبر من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف طبقاً لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية ونظام الإجراءات الجزائية في المملكة، بجانب بعض العقوبات الأخرى المغلظة في هذا الشأن وذلك صوناً للمجتمع وأفراده من أضرار الشائعات.
باحثة وكاتبة سعودية
J_alnahari@