الجامعات السعودية هي المعنية بتحقيق التطلُّعات والأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار للعقدين المُقبلين التي أعلن عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء – رئيس اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار – حفظه الله. هذه التطلعات تمثل تحولا كبيرا في النظرة للجامعات من كونها أبراجا عاجية معزولة عن المجتمع، منغلقة على مهمتها الرئيسية في تدريس الطلاب، ومهمة ثانوية تتمثل في القيام بأبحاث غالبها بعيدة عن احتياجات المجتمع واهتماماته. هي الان ينظر لها على أنها رأس مال معرفي ومورد اقتصادي مهم ينبغي استغلاله وتطويره ليتناسب مع التوجهات والتطلعات لحجم المملكة الاقتصادي ووزنها الريادي من بين دول العالم قاطبة.
لا يمكن أن تكون الأبحاث العلمية ذات قيمة اقتصادية مالم تتحول إلى مشاريع تجارية تدر دخلًا متجدداً للاقتصادات، وذلك من خلال تزويدها بالتقنيات عالية التعقيد والحلول المثلى للمشاكل التي تواجهها. هذه النظرة تحديدًا تنبهت لها دول العالم المتقدم مبكرًا من خلال برامج دعم الأبحاث وتحولها إلى منتجات وخدمات اقتصادية من خلال ما يسمى بعملية university spin-out أو الشركات المنبثقة من الجامعة. لهذه الشركات طابع خاص وهي أنها إضافة معرفية عالية القيمة تستثمر فيها الجامعة وتدعم من خلالها الباحثين المنتمين إليها. هذا الاستثمار يهدف لاستغلال الحلول التي يقدمها الباحثون وتحويلها إلى شركات ناشئة تدعم الاقتصاد المحلي. كما يتلخص دور الجامعة في كونها المستثمر المالي والداعم الاداري والقانوني، مما يزيح هذه الأعباء عن الباحثين وبالتالي يساعدهم في التركيز على الكثير من النقاط والجوانب المهمة في الخدمات والمنتجات التي يقدمونها.
يمتلك وطننا الكثير من المتميزين من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في الهندسة والحاسوب والعلوم الطبية، وهذه التخصصات الثلاثة تمثل ركيزة أساسية في توطين وإبداع التقنيات. لذلك يمثل فتح المجال لأعضاء هيئة التدريس لإنشاء شركات منبثقة عن جامعاتهم أمرا بالغ الأهمية في إيجاد شركات سعودية تمتلك رأسا معرفيا كبيرا. ومع تحول الجامعات واستقلاليتها قد يكون البحث عن هذا الأمر مورداً مهماً في رفدها بمصادر دخل مستدامة. بقي تساؤل أخير وهو هل كل الأبحاث مناسبة لتتحول إلى شركة منبثقة؟ الجواب بالتأكيد لا. لذا تحتاج جامعاتنا إلى التعاون مع مراكز استشارية لتقييم الأبحاث ودراستها من ناحية اقتصادية ومالية بحيث يتم توجيه دعم الجامعات للأكفأ والأنجح. في جامعتي WARWICK، والتي أدرس بها الدكتوراه، برنامج ناجح وعريق في هذا المجال ولها العديد من الشركات المميزة التي خرجت من رحم هذا البرنامج، لذلك فأيضا التعاون مع الجامعات التي سبقتنا يمثل أيضا خطوة في الاتجاه من الاستفادة من أخطاء الاخرين وتفاديها والاستفادة من التجارب والدروس التي خاضوها.
dokhyl@