جدة – نجود النهدي
ضعاف النفوس يؤذون الأطفال، ويدخلونهم في حالات نفسية يصعب الخروج منها، لذلك جاءت أنظمة «حماية الطفل، الحماية من الإيذاء، مكافحة التحرش»، رادعة لإيقاف الاعتداء على الصغار، إذ تصل العقوبة إلى السجن والغرامة 500 ألف ريال. ويعرف الإيذاء نظاما بأنه كل شكل من أشكال الإساءة للطفل أو استغلاله أو التهديد بذلك، بينما شدد مختصون لـ«البلاد»، على أهمية حماية الأطفال من الإيذاء والتحرش عبر طرق مختلفة من بينها التوعية والتثقيف والرقابة الدائمة، وعدم السماح لهم بالانفراد مع من يكبرونهم سناً، مؤكدين أن الإيذاء يأتي في الغالب من قبل المعارف المقربين، لذلك على الجميع الانتباه من خطورة هؤلاء الأشخاص. وأشار أطباء نفسيون إلى أن هناك علامات تدل على تعرض الطفل للتحرش أهمها: البكاء الشديد بدون سبب، والرعب من الكشف الطبي المفاجئ، والتعامل مع الألعاب والأشياء بطريقة تحمل دلالات خادشة، وعدم تحكم الطفل في أعضائه.
أكد أخصائي نفسي أول ومعالج أسري الدكتور صالح بن عبد الرحمن العتيبي، أن التحرش بالأطفال شكل من أشكال الإيذاء، سواء أن كان جسديا، أو نفسيا، مبينا أن أشكاله تتضمن: لمس مناطق حساسة للطفل، وتعريض الطفل لصور خادشة وإجباره على التلفظ بألفاظ غير لائقة، والاعتداء عليه. وأضاف: “بنسبة كبيرة يقع التحرش من أقارب الطفل الأكبر سناً بسبب الأمان الذي يجدونه حول الطفل، ومن المقربين له مثل السائقين والجيران، إذ يغري المتحرش الطفل بحلوى وألعاب أو تهديده. وأخطر ما في الأمر أن يكون الطفل غير واع بما يحدث له فيتكرر الاعتداء عليه بالترهيب”.
وأشار الدكتور العتيبي إلى أن هناك علامات أو أعراض تدل على أن الطفل تعرض للإيذاء وهي: الخوف الشديد والبكاء دون سبب واضح، التقيؤ بدون سبب عضوي، وقد تظهر عليه أعراض عدم التحكم في الإخراج، إضافة إلى مشكلات في النوم، وخوف من بعض الأشخاص أو الأماكن المعينة، كما يفشل الطفل في تكوين صداقات جديدة ويتجنب الكبار، ويعاني من مشكلات في التغذية والشهية (في سن 9 سنوات إلى ما بعد البلوغ)، ويعاني كذلك من الاكتئاب والأحلام مزعجة، والتأخر الدراسي، بينما يتصرف بعنف مع من حوله وقد يترك المنزل. ومضى العتيبي قائلا: “أخطر ما في الأمر هو الشعور بالذنب الذي قد يسيطر على الطفل باتهام نفسه بعدم المقاومة والدفاع عن النفس.
وقاية وتوعية
يرى الدكتور صالح العتيبي، إن درهم الوقاية خير من قنطار العلاج؛ فقضاء الوالدين ساعات في تدريب أطفالهم على حماية أنفسهم وساعات لمراقبتهم خير من قضاء سنوات طويلة في علاج الأثار السلبية للتحرش الذي تعرض ابنهم له، مضيفا أن طرق الوقاية والتوعية تتمثل في: أن يتعلم الطفل آداب العورة وسترها، وأن هناك أجزاء من جسده لا يحق لأحد أن يراها أو يلمسها، ومراقبة الطفل من قبل الوالدين وخاصة في الأماكن التي يخافون عليه فيها (بدون مراقبة له أو مضايقة)، أن يدرب الطفل على التفريق بين اللمسة الأخوية ولمسة التحرش، ويعلم أن أفضل وسيلة عند تعرضه للإيذاء هي الصراخ بقوة والرجوع ثلاث خطوات للخلف ثم الهرب فورا من الموقع والتوجه للأماكن العامة القريبة أو البيت، ولابد من تعويد الطفل على أن يخبر والديه بكل يومياته وما يحدث له، ويجب على الوالدين أن يحافظوا دائما على هدوئهم فلا يعاقباه حينما يخبرهما بما يزعجهم وخاصة حالات التحرش. وشدد العتيبي على أهمية أن يلعب الوالدان دور الصديق مع الطفل ليحسن الاستماع إليهما، كما يجب أن تعتني الأسرة دائما بالوقاية وعدم التساهل والغفلة وألا تعتمد على الآخرين في رعاية أطفالهم أو العناية بهم. وتابع: “يجب على الأهل تعليم أطفالهم أن من له الحق بلمس أعضائهم هو الطبيب وبوجود الأهل، مع التأكيد على الطفل بأن له الحق في اتخاذ القرار بالأمور التي تتعلق بجسده، وأن يرفض عناق أحد، إذا لم يرغب في ذلك. وإن حصل وتعرض للتحرش أن يحاول جاهدا حماية نفسه بإبعاد الشخص بيده أو رجله أو أن يصرخ ليأتي أحد لإنقاذه”.
مسؤولية الأسرة
تقول مستشار توعية وعضو حقوق الإنسان الدكتورة جواهر بنت عبد العزيز النهاري، إن حماية الطفل من التحرش هي مسؤولية الأبوين، إذ يجب عليهما توعية الأطفال وعدم تركهم مع السائق بمفردهم، وتوعيتهم بألا أحد يجبرهم على التلفظ بألفاظ غير لائقة أو سماعها، مضيفة: “يجب عدم ترويض الطفل عند بكائه بقطعة حلوى أو بجهاز إلكتروني فهذه من الوسائل التي تسهل للمتحرش اصطياد ضحيته بها، كما ينبغي تعريفهم بأن أجسادهم ملك لهم ولا ينبغي لكائن من كان أن يمسها لاسيما الأماكن الحساسة”. وأشارت النهاري إلى أهمية تعريف الطفل بحدود علاقته مع الآخرين حتى لا يقع ضحية للتحرش الإلكتروني. واستطردت قائلة: “أود التركيز على جانب مهم للغاية لا يلتفت له الكثيرين، وهو إجبار الطفل واصطحابه لزيارة أقارب في ظل رفضه لهذه الزيارة، فهذا مجال خصب لوقوع مثل هذه الجريمة، كما يجب على الإعلام تكثيف حملات التوعية لحماية الطفولة من جريمة الإيذاء. وعدم الحديث عنها بسطحية كما يجب التركيز من الأهل على دعم الضحية لا لإلقاء اللوم عليها”، منوهة إلى أن أغلب جرائم التحرش تحدث من الأقارب أو المعارف أو من شخص لديه سلطة على الطفل.
بناء الثقة
واعتبرت هتاف السلمي -إحدى الأمهات- أنه من الأهمية بمكان زرع الثقة في نفس الطفل لحمايته من مختلف أشكال الإيذاء ليحسن التصرف في حال واجهه متحرش، مبينة أن الثقة تزرع في الطفل عبر طرق عديدة من بينها الحديث عنه أنه قادر على مواجهة أي شخص يريد إيذاءه ليس بالقوة ولكن بالعقل والتفكير التصرف السليم في الوقت المناسب. ولفتت إلى أن مشاهدة بعض البرامج التوعوية شيء مهم للغاية ليكون الطفل على دراية بما قد يواجهه، مؤكدة أن هناك تعليمات معينة يجب غرسها في الأطفال لمواجهة التحرش؛ من بينها التأكيد على أنه “ممنوع الاقتراب أو اللمس من بعض الأماكن في الجسم”. وقالت هتاف إن الأسر تتطلع إلى تقديم دورات مكثفة عن الإيذاء من الجهات المسؤولة والقطاعات المعنية للتعاون مع الأسر لوقف التحرش، مع تغليظ العقوبة لتكون رادعا قويا يمنع تعرض الأطفال للإيذاء.
الحماية واجبة .. والقانون رادع
أكد المحامي والمستشار القانوني فارس بن محمد الصويان، أهمية حماية الأطفال من مختلف أشكال الإيذاء بالرقابة الدائمة على الأطفال، وعدم السماح لهم بالانفراد مع من يكبرونهم سناً، وتوعية الأطفال عن التحرش وتثقيفهم عن ذلك، مشيرا إلى أن المجرمين يتصيدون أقاربهم من الأطفال بسبب كثرة التجمعات العائلية واختلاط الصغار مع الكبار من المراهقين وغيرهم بشكل مستمر، بينما قد يكون أحد دوافع المتحرش سهولة الوصول للطفل.
ونوه إلى أهمية تبصير الأطفال لحمايته من الإيذاء؛ وعدم إرساله خارج المنزل من دون رقابة، فضلا عن السماح له بالحديث مع والديه أو من يعوله عن كل ما يحدث معه، والإجابة على جميع تساؤلاته، وهذا ما يجعله واثقا من نفسه ويصعب استدراجه.
وحول العقوبات المترتبة على الإيذاء، يقول الويان: نصت الفقرة الثانية من المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش على: تكون عقوبة جريمة التحرش السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حالة العود أو في حالة اقتران الجريمة بأي مما يأتي: إن كان المجني عليه طفلاً. وقد تضمنت الفقرة الثالثة من المادة السادسة أنه يجوز تضمين الحكم الصادر بتحديد العقوبات المشار إليها في هذه المادة النص على نشر ملخصه على نفقة المحكوم عليه في صحيفة أو أكثر من الصحف المحلية، على أن يكون النشر بعد اكتساب الحكم الصفة القطعية.