جدة – البلاد
تواصل المملكة تعزيز قدراتها في الأمن الغذائي، ومواجهة تداعيات الأزمات العالمية على ارتفاع الأسعار، ترجمة لتوجيهات القيادة الرشيدة باتخاذ كل ما من شأنه تخفيف تكاليف بعض الاحتياجات الأساسية، والمتابعة الدقيقة للمستجدات الاقتصادية في العالم ، وما يرتبط بذلك من تأمين سلاسل الإمداد، ووفرة المنتجات ومستويات الأسعار، وحماية المنافسة العادلة ومصلحة المستهلك ، في وقت تئن في دول كثيرة تحت وطأة تضخم يخرج تباعا عن سيطرتها.
قبل أيام ، وانطلاقاً من حرص واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، بأبنائه من المواطنين والمواطنات في سبيل حماية الأسر المستحقة من تداعيات الآثار المُترتبة على ارتفاعات الأسعار العالمية، وبناءً على ما رفعه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية – حفظه الله -، على ضوء دراسة مجلس الشؤون الاقتصادية برئاسة سموه لتطورات الأوضاع الاقتصادية في العالم وسبل حماية أبناء وبنات الوطن من الأسر المستحقة من التأثر بتداعياتها، صدر أمر ملكي كريم بالموافقة على تخصيص دعم مالي بمبلغ (20) مليار ريال لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار عالمياً، منها 10.4 مليارات ريال كتحويلات نقدية مباشرة لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، على أن يخصص بقية المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكد من توفرها.
الوفرة ومصلحة المستهلك
هذه الحزمة من الإجراءات السديدة التي تضمنها الأمر الملكي الكريم ، تعكس مخرجات العقل المنظم لشؤون الاقتصاد الواعد، الراصد للمستجدات والتداعيات العالمية وتحدياتها ، واستشراف استحقاقات التنمية الطموحة المستدامة وتطلعات النماء والازدهار ، وهو “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية” برئاسة سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء- حفظه الله -، فخلال اجتماع المجلس مؤخرا ، وتجسيدا لاهتمام القيادة بمواجهة التطورات الدولية التي نتج عنها ارتفاع في تكاليف بعض الاحتياجات الأساسية ، جرى استعراض عدد من الموضوعات الاقتصادية والتنموية، ومنها العرض المقدم من وزارة التجارة، بالاشتراك مع وزارة البيئة والمياه والزراعة، ووزارة الاقتصاد والتخطيط حيال رصد مستويات الأسعار لعدد من المنتجات في أسواق المملكة.
لقد أكد سموه على مراعاة المواطنين الأكثر حاجة في مواجهة التطورات الدولية التي نتج عنها ارتفاع في تكاليف بعض الاحتياجات الأساسية، مشدداً على الأدوار المهمة للوزارات والأجهزة الحكومية ذات الصلة بمراقبة التطورات الدولية بما في ذلك المتعلقة بسلاسل الإمداد، ومتابعة الأسواق ووفرة المنتجات ومستويات الأسعار، وحماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة ومنع الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة أو على مصلحة المستهلك.
التواصل الحكومي
في هذا الإطار ، وفيما شهدت الكثير من الدول ارتباكات واختناقات في سلاسل الإمداد وارتفاعات قياسية في الأسعار جراء تداعيات جائحة كورونا ، وصولا إلى الآثار الاقتصادية للأزمة الروسيا الأوكرانية، تبذل المملكة جهودا كبيرة لكبح التضخم وفق معدلات آمنة ، من خلال الحفاظ على مقومات الأمن الغذائي ، بتحقيق الوفرة السلعية والرقابة على الأسعار.
لقد تناول وزير التجارة الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي جوانب ذلك وبلغة الأرقام ، تأكيدا للشفافية في نهج الحكومة الرشيدة ، وذلك خلال المؤتمر الصحفي الدوري للتواصل الحكومي ، حيث أشار إلى أزمة النقل وسلاسل الإمداد العالمية ، وارتفاع تكلفة النقل والشحن 6 أضعاف, وارتفاع أسعار تأمين الشحن, كذلك تراجع مستويات إنتاج الأغذية وتصنيع السلع عالميا.
ومن التداعيات التي أشار إليها أيضا ، تقنين الصادرات الإستراتيجية من بعض الدول الذي أدى إلى ارتفاع أسعار القمح والسكر والأعلاف واللحوم والدواجن, وقيود على صادرات السلع الأساسية مثل: القمح والسكر وزيوت الطعام من (الهند، إندونيسيا، البرازيل، الأرجنتين)، موضحا أن الأسعار على كل مستوى العالم تأثرت وارتفعت، وتختلف من دولة لدولة.
الرقابة ودور المستهلك
لكن ماذا عن الدور الرقابي وجهود الوزارة في هذا الشأن ؟
الإجابة أيضا جاءت بحقائق الواقع الذي يعكس الحراك الميداني النشط للوزارة من خلال المتابعة الدقيقة للأسواق ومدى انضباط مؤشر الأسعار . وبحسب الوزير القصبي، قامت الوزارة خلال النصف الأول من العام الحالي بأكثر من 640 ألف عملية رصد لأسعار السلع التموينية، ورصد 27 ألف مخالفة، تم على إثرها محاسبة جميع المخالفين حسب النظام، داعيا الجميع إلى أن الإبلاغ حال وجود أي تلاعب في الأسعار ، وهي دعوة مباشرة للمستهلكين بتحمل دورهم ومسؤوليتهم التي تعول عليها أجهزة الوزارة دائما باعتبارهم العين الأولى والحلقة الأهم في الوعي الداعم لجهد الدولة لاستقرار السوق وحماية حقوقهم.
وتظل الطمأنينة راسخة ومتجددة بوفرة المعروض، وما أشار إليه الدكتور القصبي بأن هناك لجنة برئاسة وزير البيئة والمياه والزراعة تضم 10 جهات حكومية تتابع الأوضاع العالمية بشكل مستمر وتبحث البدائل والمصادر الجديدة لتوريد المنتجات سواء الزراعية أو العلفية، كما تعمل على وضع الخطط المناسبة لمواجهة أي طارئ لا قدر الله، وأمور أخرى تتطلب تدخل الدولة مثل التوجيه الكريم بتخصيص 20 مليار ريال لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية.
رسالة المملكة
عالميا كان ملف الأمن الغذائي، أحد أكثر الملفات سخونة على طاولة وزراء مالية مجموعة العشرين، خلال اجتماعهم مؤخرا في إندونسيا الرئيس الحالي للمجموعة.
وانطلاقا من الدور الإيجابي الفاعل للمملكة وإسهاماتها الكبيرة في دعم الجهود الدولية لمكافحة الفقر وانعدام الأمن الغذائي في مناطق واسعة من العالم ، أكد وزير المالية محمد بن عبدالله الجدعان أنه يتعين على مجموعة العشرين دعوة جميع الدول والمنظمات الدولية لتوحيد جهودها لمواجهة المخاطر التي تهدد الملايين حول العالم.
فالمملكة دائما ما تحرص على تفعيل المسؤولية الجماعية لإنجاح الجهود الدولية ، وقد أكد الوزير الجدعان على ذلك خلال مشاركته في الندوة رفيعة المستوى حول تعزيز التعاون العالمي لمعالجة انعدام الأمن الغذائي – التي استضافتها المملكة والرئاسة الإندونيسية لمجموعة العشرين مؤخرا، بأن التجربة مع كوفيد-19 وهي أسوأ أزمة صحية في تاريخ البشرية ، أثبتت أن التعاون العالمي والمشاركة هما مفتاح النجاح في مكافحة الأزمات العالمية، ويجب أن نقف متحدين مرة أخرى في معالجة قضية انعدام الأمن الغذائي”، مشيرا إلى عدد من التطورات المقلقة التي يشهدها العالم في مجال الأمن الغذائي التي دفعت أسعار الغذاء إلى مستويات قياسية منها تأثيرات الحرب في أوكرانيا.
خارطة طريق
وكما نجحت المملكة خلال رئاستها لمجموعة العشرين 2020 ، في حشد الجهد الدولي وخارطة طريق لمواجهة تداعيات الجائحة بالقرارات التاريخية للقمتين (الاستثنائية والدورية) برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ، حفظه الله ، جاء التحذير واضحا من المملكة ، خلال الندوة المشار إليها ، وعلى لسان وزير المالية ، بأنه “بدون اتخاذ تدابير فعالة فسيستمر انعدام الأمن الغذائي عالميا في الارتفاع، مما يعرض المزيد من البشر للخطر، وفي هذه الحالة لا يمكن لمجموعة العشرين ببساطة أن تظل صامتة، ويجب أن تتصرف عاجلا وبشكل حاسم.
السؤال المهم الذي يعكس الضمير الإنساني الحي في نهج المملكة ، والذي طرحه الوزير محمد الجدعان : ما الذي يمكن أن تفعله مجموعة العشرين من حيث الإجراءات الملموسة، وما الذي يمكن أن نتعلمه من النجاحات والإخفاقات السابقة؟
الإجابة أيضا تأتي من السعودية معبرة عن دورها الإيجابي واستجابتها الحاضرة دائما تجاه مثل تلك التحديات ، بأنه “بالاعتماد على خبرات المؤسسات المتخصصة مثل منظمة الأغذية والزراعة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، يمكن فهم عمق قضية انعدام الأمن الغذائي وامتدادها واستكشاف الحلول ورسم خطة للإجراءات الملموسة وتحديد مسؤوليات التنفيذ”.
مؤشر الأسعار
كشفت الهيئة العامة للإحصاء في تقرير حديث عن ارتفاع مؤشر الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك للشهر الماضي (يونيو) بنسبة 2.3% مقارنة بشهر يونيو من العام الماضي 2021م، ، مبينة أن هذا الارتفاع يُعزى إلى تغير أسعار الأغذية والمشروبات التي ارتفعت بنسبة 4.4% وأسعار النقل بنسبة 2.5%.
وطبقا لنتائج الرقم القياسي لأسعار المستهلك والجملة، سجل قسم الأغذية والمشروبات ارتفاعاً بنسبة 4.4%؛ متأثراً بارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 4.7%، وأسعار اللحوم بنسبة 4.5%، كما سجل قسم النقل ارتفاعاً بنسبة 2.5%، والسلع والخدمات الشخصية 2.4%. كما ارتفع مؤشر الرقم القياسي العام لأسعار الجملة لشهر يونيو بنسبة 8.1% مقارنة بنظيره من عام 2021م، وهو أقل من الشهر السابق مايو من العام الحالي، والذي بلغ 10.2%.