في إحدي ليالي رمضان، سألت حفيدي زين البالغ من العمر 6 سنوات.. ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟
أجابني قائلا دون تردد: أرغب أن أكون مهندس فضاء، فسألته لماذا؟ حيث كانت إجابته مفاجأة لي. فقال: حتى أصلح مركبات رامز جلال الفضائية، وكان جادًا ويتحدث بمسؤولية وشغف واهتمام لتحقيق حلمه.
وأعود بالذاكرة إلى الوراء سنوات عديدة أيام طفولة ابنتي خلود، وابني زياد، عندما استنجدت بهما جارة لنا، وطلبت منهما مساعدتها لأنها تشكو من ألم شديد في صدرها، وحاولا مساعدتها ولكن لا جدوى. فاتجها فورا إلى المستشفي اللصيق بمنزلنا وأخبرا طبيبًا بالحكاية، فأتى الطبيب فورا معهما وحاول إنقاذ السيدة من أزمة قلبية حادة، ولكنها كانت قد أسلمت الروح إلى بارئها.
وعند سؤالهما كيف عرفتما بضرورة استدعاء الطبيب؟ قالا : بأنهما شاهدا حالة مماثلة في مسلسل تلفزيوني.
وقصة أخرى قرأتها من خلال بحث للدكتور آستيريون أفوكادو الاختصاصي والباحث النفسي بمباريات الألعاب الإلكترونية.
كان طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره يرافق جدته في السيارة، وفجأة فقدت السيدة قدرتها على القيادة، وانطلقت السيارة مسرعة. هنا تنبه الطفل إلى ذلك فأدار عجلة القيادة حتى تخرج العربة من الطريق العام، وتتوقف أمام بعض الحجارة على جانب الطريق، وعند سؤال الشرطة للطفل.. كيف عرفت هذا التصرف؟ قال: لقد تعلمت ذلك من عصاة ألعاب الكمبيوتر، واعتقدت أنها لعبة من جدتي.
في الماضي كان مفهوم الإبداع والذكاء يتصف بالجنون، ولكن اليوم تغير هذا المفهوم إلى غير رجعة، وأصبح يعرف على أنه مهارة اجتماعية مكتسبة تأتي بالخبرة والتجربة. حيث إن أحد أهم المصادر للتجارب والخبرات، ألعاب ومباريات الكمبيوتر المنتقاة بعناية وبإشراف الوالدين، التي تحمل رسائل ونماذج وعبر ومفاهيم ذات قيمة، كالتي يمارسها ملايين الأطفال والشباب حول العالم. أما في الماضي فكان مصدر التعلم والثقافة هو الكتاب والتلفزيون والسينما والمسلسلات وبعض النشاطات الطلابية في المدارس.
يقول الدكتور أستيريون: إن ألعاب ومباريات الكمبيوتر تجعل الطفل يفعل أشياء لم يكن يقصدها أو يفعلها وتحفز الطفل على الحصول على النقاط والهدايا والشارات وتجعله يمارس اللعبة تحت ضغوط الوقت التي تشكل تحديا بالنسبة له .
كما أن هذه الألعاب تمد الأطفال بالقوة والعزيمة للدراسة والتعلم لتح،قيق النجاح تلو الآخر، وبعضها يزرع وازعا وحافزا لدى الطفل على أنه الوحيد الذي سينتصر وينقذ العالم. وأيضا تجعله يتصيد ويقتنص الفرص لتحقيق كسب مادي أو معنوي .
الألعاب والمباريات الكمبيوترية تساعد الطفل وتدفعه إلى المحاولات المتعددة لتحقيق الفوز والنجاح؛ حيث إن بعضها صمم من أجل هذا الغرض، وهو هدف تربوي نبيل، حيث يجد الطفل الفرصة تلو الأخرى لحل المعضلة بطرق متعددة. وفي كل مرة يتعلم منها أفكارا وطرقا جديدة لحل المشكلات، وغير ذلك الكثير.
وأخيرا.. أرى أن الكثير من الألعاب صممت كي تكون وسيلة للنجاح من خلال الفشل عدة مرات ، ولا يوجد من يوبخ الطفل أو يلومه لفشله، ولكنه ينهض ويعيد الكرة والمحاولة مرة أخرى، وتجعل الطفل يدرك أن التعلم ليس رحلة طويلة مسارها واحد ومتصل. ولكن الواقع أن طرقها متعددة ومتعرجة وصعبة .