متابعات

سلوك غير سوي وخلل في التربية.. مختصون لـ(البلاد): «التشهير» جريمة تستحق الردع

مها العواودة – رانيا الوجيه

فوائد لا تحصى حصدتها المجتمعات من وسائل التواصل الاجتماعي، فالتقنيات الحديثة قرّبت الشعوب، وعرّفت بالثقافات، وقصّرت المسافات بين الناس، غير أن البعض يستخدمها بطريقة مسيئة للآخرين، كأن يشهّر بشخص ما على المنصات الإلكترونية المختلفة دون وجه حق، ما جعل النيابة العامة، تقر عقوبات على المشهرين بالآخرين عبر وسائل تقنيات المعلومات، تصل إلى السجن لمدة سنة وغرامة نصف مليون ريال، مؤكدة أن «الحق في السمعة» مصان بضمانات قانونية نفسية، باعتباره من الحقوق الملازمة للشخصية.

وبينت النيابة أنه لا يجوز التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل التقنيات المعلوماتية المختلفة، مما تتوجب معه المُساءلة الجزائية. في وقت كشف قانونيون لـ»البلاد» أن ضحية التشهير يمكنه مقاضاة المشهرين به، مشيرين إلى أن «التشهير» لا يجب أن يكون إلا بأمر قضائي، بينما يرى تربويون وأخصائيون نفسيون أن التنشئة السليمة تنتج شخصية متزنة تحترم الآخرين وتحفظ حقوقهم دون الخوض في ما يسيء لهم.

اعتبر المحامي والمستشار الشرعي والقانوني القاضي بديوان المظالم سابقاً، فيصل العصيمي، أن هناك فرقا بين التشهير كجريمة، والتشهير كعقوبة نظامية، فحينما يقوم شخص بالتشهير أو تشويه سمعة آخر بدون سبب نظامي أو حكم قضائي فإنه يكون معرضا للعقوبة والجزاء، مضيفا: «من حق المتضرر تقديم دعوى حينما تكتمل الأركان اللازمة في قبول الدعوى ضد من قام بالتشهير وتشويه السمعة، فالقضاء يعتمد في الجرائم والقضايا الخاصة بالتشهير على ركنين أساسيين، لابد من توافرهما لكي تقبل القضية كـ»قضية تشهير»، وهما: الركن المعنوي، المتمثل في القصد الجنائي، والركن المادي، الذي يشمل الإعلان والنشر والإسناد».

ولفت العصيمي إلى أن لابد من توافر شروط عدة لكي تقبل دعوى التشهير وتشويه السمعة، وهي: أن يكون الخبر أو البيان المعلن عن هذا الشخص، ليس له أساس من الصحة، ونشر الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي، أو نشره في إحدى الصحف، أو بين الأفراد، وأن يكون البيان أو الخبر يشير إلى إهمال أو تجاوز على الشخص المنسوب له الخبر، بالإضافة إلى وقوع ضرر على الشخص المنسوب له الخبر أو البيان كفقدانه لعمله أو تشويه لسمعته»، مؤكدا أن من يمارس «التشهير» يستحق عقوبة بموجب النظام كما وضحتها النيابة العامة، وإذا تكررت المخالفة تتم مضاعفة العقوبة، مع إيقاف الشخص الذي قام بالتشهير عن الكتابة في الصحف وعدم مشاركته في البرامج الإعلامية، وكذلك إغلاق محل التشهير مؤقتا أونهائيا، مع تقديم ونشر اعتذار من نفس المكان الذي تمت فيه عملية «التشهير».

شروط لقبول الدعوى
عدّد المستشار القانوني سليمان الحلواني، أبرز وأهم الشروط الواجب توافرها لقبول دعوى التشهير وتشويه السمعة، مبينا أنها تتمثل في: أن تكون الإساءة أمام جمع من الناس سواء كان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي (مجموعة تواصل رقمية أو عبر خاصية العرض العام لبعض التطبيقات أو البث المباشر)، أو في مجالس اجتماعية عامة أو عبر منصات الإعلام المرئي كالقنوات التلفزيونية والمسموع كالإذاعات أو المقروء كالصحف، وهذا هو الضابط لقبول دعوى التشهير، واعتباره جريمة تستوجب العقاب، لأن تجريد الإساءة من هذا الضابط يجعلها دعوى سب أو قذف حسب الواقعة دون اقترانها بجريمة «التشهير».

وقال: إن البعض يعتقد أن «التشهير» مرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي فقط أو بالرسائل المتبادلة بشكل خاص، وهذا مفهوم خاطئ وغير صحيح، لأن التشهير يطال حتى المنتجات، ومرجعية ذلك الجهة المنظمة عن التشهير بمنتج مقلد أو مغشوش في الأسواق. وتابع: «توجد حالات أخرى يتم من خلالها التشهير بأشخاص أو كيانات مخالفة، لكن ذلك يندرج من باب العقوبة ويكون مرتبطا بحكم قضائي».

وأكد الحلواني، أن أسباب تفشي ظاهرة «التشهير» تكمن في سهولة صدوره من أشخاص ضعيفي الوازع الديني، ويعانون من بعض المشاكل النفسية، لذلك يعتبرون أن «التشهير» وسيلة انتقام من الشخص المشهر به، بينما يعتقد آخرون أنه يعالج لديهم شعور الإحساس بالنقص أو من باب الحسد تجاه الآخر، منوها إلى أنه توجد أسباب أخرى للتشهير ربما تكون مبررة، كالتحذير من بعض المنتجات المغشوشة أو المقلدة أو من التعامل مع بعض الأفراد والفئات المجتمعية.

وقطع بأنه لا يحق إطلاقا لأي شخص أو فرد أو كيان التشهير بغيره مهما كان حجم الجناية أو الجريمة المرتكبة، لأن ذلك تعد وتجاوز على دور الجهات المخولة، وعلى الأشخاص فقط توثيق الواقعة لتقديمها للجهات المعنية دون نشر أو تشهير. أما بالنسبة لعقوبات التشهير فقد أوردتها المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في منطوقها بتضمينها: (المعاقبة بالسجن مدة عام وبغرامة مالية قدرها خمسمائة ألف ريال أو إحدى هاتين العقوبتين)، وقد تضمنت الفقرة الخامسة من ذات المادة عقوبة التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.

ازدواجية في التربية
الجوانب التربوية، وفقا لمستشار التخطيط الاستراتيجي التربوي والأسري الدكتورة رسمية الغامدي، تلعب دورا محوريا في شخصية الفرد ومدى إحسانه أو إساءته للآخرين، مؤكدة أن الازدواجية في التربية أو التذبذب في المعاملة، قد تنتج طفلا متقلب المزاج وبالتالي يؤثر ذلك على سلوكياته تجاه الآخرين في المستقبل. وأضافت: «على الأسر في المقام الأول الاهتمام بالصحة النفسية، وضمان الجوانب العاطفية لتهيئة الدفء العاطفي وإشباعه، وضمان الرعاية والتربية الجيدة التي تدعم المشاركة من أجل خلق مناخ صحى وسليم في العلاقات بين أفراد الأسرة جميعا. بل وأكثر من ذلك خلق أجواء الحوار والنقاشات الهادئة مع رفع المستوى الفكري والثقافي لدى الأبناء ودعمهم للمشاركات في الأندية والمراكز الثقافية والرياضية لصقل مواهبهم وتحسين قدراتهم وإكسابهم الوقت النافع والمفيد وتعزيز قدرتهم على احترام الآخرين».

وقالت الدكتورة رسمية، إنه في ظل ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات الجديدة أصبحت هناك سرعة فائقة في تداول ونقل الأخبار، حيث اتجه الناس إلى ما يسمى بـ«الإعلام الجديد»، وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت هاجسا يؤرق الجميع بسبب استخدامها الخاطئ من البعض لمحاولة إثبات الذات على حساب الإساءة للآخرين، فالبعض يمارس هواية نشر الشائعات والتشهير عبر المنصات المفتوحة مع تفاعل كبير من متابعيه، وهذا جانب سلوكي سلبي وخطير للغاية.

ونوهت إلى أن هناك أسبابا عدة لانتشار الشائعات، منها: نقص الاحتياج التربوي والاجتماعي والديني، فالخلل ليس في ضعف الجانب الديني فحسب؛ لأن الإنسان يصلي ويصوم بل هناك نقص أيضا في الجانب التربوي، لعدم وجود أدوار تربوية ملموسة ومؤثرة، لذلك يمارس الفرد حقه في الحرية بصورة خاطئة وغير مقبولة، موضحة أنه لا يحق للشخص بأي حال من الأحوال مهما كان الضرر الواقع عليه «التشهير» بالآخرين، فهناك جهات مخولة تختص بمثل هذه السلوكيات الخاطئة، ولديها قوانين تضبط التعاملات وتتخذ الأحكام المناسبة في القضايات المختلفة.

وأشارت الغامدي إلى أن الأسرة لها الدور الأمثل في تنشئة الأبناء على المبادئ والقيم والأخلاقيات التي تحافظ على اتزانهم، وثبات سلوكهم أمام ما قد يحدث لهم من صراعات فجائية في ظل التسارع الحضاري والتقني المعاصر، والوسائل المتعددة من برامج تواصل اجتماعي التي جمعت الناس من أقطار متعددة مع اختلاف بيئاتهم وأنماطهم وجوانب السلوك والأخلاق المتفاوتة لديهم.

معاملة الأسر للأبناء تنعكس على شخصياتهم

ترى الأخصائية النفسية لمى سندي، أن طريقة تعامل الأسر مع الأبناء تنعكس على شخصياتهم، مفسرة بالقول: «قد تكون الأسرة أحد أسباب لجوء البعض للتشهير بالآخرين، ولكنها ليست سببا رئيسا؛ فعندما يقوم الأبناء بسلوكيات خاطئة ويتم التشهير بهم من قِبل الأهل أمام الآخرين، فإنهم يعتقدون أن هذا التصرف هو الصحيح لمعاقبة المخطئ». ولفتت سندي إلى أن البعض يستخدمون «التشهير» كوسيلة لإسقاط طباعهم أو سلوكهم على الغير؛ وهم يرغبون تطبيق سلوك الشخص المشهر به حال عدم وجود رادع قوي. وتابعت: «اعتماد قانون رادع من شأنه تقليص السلوكيات المضرة بالمجتمع، من بينها التشهير، كما أن التوعية مهمة للغاية لتجاوز التجارب السلبية والممارسات الخاطئة، وبالتالي الحد من السلوكيات التي تؤثر سلبا على الفرد والمجتمع».

ومضى قائلا: «البعض يستسهل التحدث عن أخطاء الغير، لذلك كثير التشهير، وكان لا بد من وجود ما يردع هذا السلوك السيئ، المخالف للفطرة الإنسانية السوية»، مشيرة إلى أهمية عدم التعرض للآخرين لأنه ليس من حق شخص التشهير بالآخر وتشويه سمعته ما يضر بأعماله ويضعه تحت ضغط نفسي وعصبي رهيب. وختمت بالقول: «إن أخطأ شخص هناك طرق ووسائل قانونية تحمي المجتمعات من ضرره، ولذلك على الشخص المتضرر اللجوء للقضاء، وليس التشهير بالشخص».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *