متابعات

الادخار .. حصانة الاستقرار الأسري

البلاد ــ مها العواودة

أكد مختصون على أهمية الادخار وتأصيل مفهوم التعامل مع المال، وتغيير السلوك المالي، وأهمية دورة حياة التخطيط المالي للوصول إلى الحرية المالية، والموازنة الشخصية وحمايتها، والاقتراض واعتماد طريقة كرة الثلج لسداد الديون، لافتين في الوقت نفسه إلى أن الادخار يعتبر بمثابة الاحتفاظ بجزء من الدخل لوقت الحاجة في المستقبل، بينما الاستثمار هو تنمية مال المدخر في إحدى القنوات الاستثمارية المتاحة.

وأوضحوا أن الاهتمام الواضح بالادخار واستخدامه المثمر يكون نموذجاً لزيادة الثروة والازدهار، ويقوم ذلك على التراكم الرأسمالي. ولكي يتحقق هذا التكوين لابد أن يسبقه الادخار، لأن الادخار يهدف إلى تحسين مستوى المعيشة وزيادة الثروات عند الفرد والأسرة، ويكون وسيلة لتمويل المشاريع الاستثمارية. وبناء على ذلك فإن ضعف ثقافة الادخار لدى الأفراد تسببت في تنامي ظاهرة الاستهلاك التي تقدم الكماليات على الضروريات، ما يجعلهم في حيرة من المستقبل.

لذا يمكن القول: إن الادخار والاستثمار وجهان لعملة واحدة، أحدهما يكمل الآخر لتأمين الحياة المعيشية والاستقرار الأسري.

بداية، أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث عضو جمعية الاقتصاد السعودية، أن الإسراف وصل لدى بعض الأسر إلى مستويات عالية، فضلاً عن المبالغة في الإسراف على الكماليات من سيارات وأزياء وإكسسوارات وهواتف محمولة، حتى فاقت نفقات الكثير من الأسر دخلها الشهري، وجعلها تضطر لمعالجة هذا العجز بالديون والقروض. مؤكدا أن مشكلة التصرف السلبي في ميزانية الأسرة باقية لدى كثير من أفراد المجتمع، “فالشخص ما إن يتسلم راتبه إلاّ وتبدأ لديه حاسة جديدة اسمها «هوس التسوق»، عبر ذهابه إلى أقرب سوق، أو «مول»، أو مكتبة ، أو حتى مطعم، والبدء في الانجراف نحو شراء السلع دون وجود تخطيط لمصروفات الشهر ، وربما وجد نفسه في نصف الشهر لم يبق معه ريال واحد ، الأمر الذي يجعله يقع في مشكلة أخرى ألا وهي «السلف» من الآخرين ، بل إن هناك من يضطر إلى الذهاب لأقرب شركة تمويلية وطلب قرض قصير أو بعيد المدى، كل ذلك من أجل أن يُسيّر أمور حياته ، خاصةً أنه يعول زوجة وأبناء ولا بد من توفير الحياة المعيشية الكريمة لهم”.

استنزاف الجيوب
وأضاف الدكتور المغلوث بقوله :”تمر على المجتمع السعودي مناسبات كثيرة طول العام، وتستنزف جيوب المواطنين أيام رمضان والعيد وفتح المدارس، إلاّ أن سوء التخطيط وغياب الثقافة ومفهوم الادخار جعلت هذا المواطن والمقيم يبحث عن سلع عندما تبدأ تلك المناسبات وبأسعار ترتفع إلى 30 – 40%، كون هناك إقبال شديد على الأسواق والمكتبات والمجمعات، وهذا يعتبر في المفهوم الاقتصادي افتقاد التنظيم والتخطيط، مع العلم أن هناك التزامات تقوم بها الأسرة من أخذ مبالغ من المصارف بواسطة «كمبيالات» أو عن طريق الاستدانة عبر بطاقة الفيزا وماستر كارد من أجل السفر، وهذا شيء مزعج ويثقل كاهل الأسرة عندما تفقد التخطيط والادخار”، ويرى أن على كل أسرة سعودية ومقيمة أن تجعل هدفها التخطيط وثقافة الادخار لكي يقابل تلك المناسبات التي تستهلك جيبه بترشيد الإنفاق، من خلال شراء تلك المنتجات قبل بداية المواسم بأسبوعين أو ثلاثة حتى يستفيد المواطن من الأسعار المناسبة ويوفر نسبة كبيرة من ميزانيته.

إرباك الأسواق
كما أوضح الدكتور المغلوث أن المجتمعات المتحضرة، التي أخذت على عاتقها أسلوب تحسين المعيشة وقنص الفرص ينبغي أن نكون جزءًا منهم، بدلًا من إرباك الأسواق بمشتريات تبدأ من بداية الموسم، ما يزرع القلق والإزعاج- ليس داخل الأسواق وأروقتها- بل في الطرق والشوارع، وأحيانًا يتدخل رجال الأمن والمنظمون في تسهيل الحركة. كما أشار إلى أهمية ثقافة الشراء المبكر، فقال: لا بد أن يكون مخططًا لها حتى ننجح في قيمنا وعاداتنا وأسلوب مجتمعنا، وعلى الأسرة السعودية أن تعي ذلك، ولله الحمد نسبة كبيرة من تلك الأسر متعلمة وحاصلة على شهادات وكاسبة لثقافات محلية وأجنبية من خلال سفرها وزياراتها، وعلينا أن نطبق- كما أشرت سابقًا- الشراء المبكر حتى نسعف أنفسنا، ونفتح المجال لغيرنا بالأسعار المعقولة، ولابد من تخطيط ميزانية للأسرة بجدولة المصاريف والنفقات، وعلى الأسرة تخطيط هذه الميزانية بناء على الدخل المادي المتوفر، وتنظيم صرفه على المنتجات الضرورية، التي لها النصيب الأوفر من الميزانية، ثم يليها الكماليات، مع ضرورة ادخار مبالغ للاستفادة منها عند أي طارئ، كذلك على الأسر تبني ثقافة الادخار وتوعية الأبناء وأفراد الأسرة على عدم إنفاق كل مدخولهم الشهري، بل التخطيط وادخار جزء منه، حيث إن الاعتماد على تنظيم ميزانية الأسرة يحمي الأسرة من الأزمات المالية ويريحها من تبعات الإنفاق العشوائي والاستهلاك غير المنظم، وهذا يسهم في تحقيق الأهداف المرجوة للفرد ضمن إطار الأسرة خاصة خلال موسم الإجازة بما فيه من مناسبات عديدة.


سلوك استهلاكي
من جانبه، قال المستشار الأسري الدكتور محمد بن عوض العمري “في ظل تغير السلوك الاستهلاكي للمجتمع والتغيرات الاقتصادية على مستوى العالم وليس على المستوى الإقليمي والمحلي فحسب من زيادة الأسعار وارتفاع الضرائب، فإنه ينبغي للفرد والأسرة أن يعيدوا النظر في ثقافتهم الاستهلاكية والتحول إلى نمط تفكير استهلاكي إيجابي يحسن من دخولهم ويتمثل ذلك في تحديد الاحتياجات وترتيب الأولويات والابتعاد عن سلوك الإنفاق المظهري القائم على المقارنة بالآخرين وتحديد احتياجاتهم بناءً على رضا وقناعة غيرهم، وعدم الوقوع في فخ الاعلانات الوهمية، واللهث وراء الكماليات، والاستسلام للقروض الميسرة التي تفتح باب الديون التي يصعب الوفاء بها”. وأكد أهمية تحديد الاحتياجات وفق الدخل بحيث لايزيد الإنفاق عن الدخل فتضطر إلى الاقتراض الذي يدخل الفرد في دوامة الديون وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات الأساسية. وتابع” إن التزام الهدي النبوي بالدعاء بالبركة والصدقة ولو باليسير وأداء الزكاة الواجبة يسهم في زيادة المال وتنميته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “مانقص مال من صدقة”. كما اعتبر أن شراء الكماليات له دور في تبديد المدخرات، “فمن المبادئ الاقتصادية المعروفة إذا اشتريت اليوم ما لا تحتاج إليه ستبيع غدا ما تحتاج إليه، وهذا ينطبق تماما على الاستغراق في شراء الكماليات، التي هي ببساطة ما يمكن الاستغناء عنه تماماً أو تأجيله دون أن يؤثر ذلك التأجيل على احتياجاتك الأساسية، والسعي الحثيث خلف الكماليات أيضاً يدخل الفرد في دائرة التبذير المحرم”.

 


إدمان الكماليات
كما رأى أن تغيير نمط الاستهلاك ونشر ثقافة الادخار والترشيد أسسٌ وقيم اقتصادية اجتماعية ينبغي غرسها في أذهان الأطفال منذ الصغر من خلال ممارسة الأسرة لهذه السلوكيات وتدريبهم عليها، لأن التفكير الإيجابي يقود إلى ممارسات إيجابية، “فمن اعتاد التبذير وأدمن الكماليات لايمكنه التحول عن ذلك بسهولة، ومن الممارسات التي يمكن أن تؤسس لثقافة استثمارية جيدة تبني كثير من المؤسسات المصرفية اليوم لحسابات استثمارية متنوعة يُحسن أن تصبح ثقافة عامة”. مؤكدا أن الإنسان ابن بيئته، فالبيئة المحيطة التي يعيش فيها الفرد لها تأثيرها على سلوكه الاقتصادي وممارسة السلوكيات الايجابية أو السلبية، ولذلك يحسن بالمؤسسات التربوية أن تُدرس في مقرراتها بناء الثقافة الاستهلالية المتزنة التي تحقق النمو المتوازن للفرد والمجتمع وللتخلص من الممارسات السلبية.


تحقيق الاتزان
في السياق نفسه، قال الاستاذ أحمد حمودة: إن الإنسان بين الإفراط والتفريط سواء في أمر الدنيا أو أمر الدين، مؤكدا أهمية الاعتدال في الإنفاق؛ حيث نص القرآن الكريم صراحة على هذا المعنى في قوله سبحانه وتعالى: ” ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ” وفي وصف عباد الله المتقين يقول الله تعالى: ” والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما”. وتابع “يتعين تحقيق الاتزان في كل هذه الأمور والمسائل في الملمات والنوازل وأن يكون الإنسان حكيما في نفقته وإمساكه وصدقته؛ حيث حذر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق الإنسان ثم يتكفف الناس بعدها فليس هذا من الحكمة ولا من مقاصد الشرع ولا من العمل الصالح بالنظر إلى هذه النتائج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *