جدة – إيمان بـدوي
أكد عدد من الأطباء والمختصين أن الصحة النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة. لافتين إلى أن البعض لا يدرك أهمية الصحة النفسية ويهتم بصحة الجسد وتعافيه من الأمراض، منوهين أن أي مجتمع يقوم على الأفراد، فإذا كانوا سالمين، سلم المجتمع وإذا كانوا معتلين صار هناك تعطيل للمجتمع، موضحين في الوقت نفسه أن الضغط النفسي هو محصلة لتفاعل الشخص مع مجموعة من العوامل التي يتعرض لها، قد تكون عوامل داخلية أو وراثية أو اجتماعية أو اقتصادية، وتكاد أن تُكوّن السمات الشخصية.
تقول (ن. ش): منذ أن وعيت على الحياة وجدي يسكن معنا في البيت، وكنت أحبه جدا، ولم أتحمل مشهد وفاته الذي حدث أمام عيني؛ إذ رأيته وهو يحتضر وينازع سكرات الموت، وقد أتعبني ذلك الأمر، وسبب لي ضغطا نفسيا كبيرا، فأصبحت مهووسة بحيثيات الموت، ثم قررت طرق أبواب العيادة النفسية، ووصفت للطبيب حالتي فأكد لي بأنني أمر بحالة هلع ونصحني بحضور جلسات سلوك معرفي.
تساقط شعرها
فيما تحدثت «ص . ح « عن الضغط النفسي الذي أصابها وقالت: تعرضت لضغوط أربكت اتزاني النفسي والجسدي لدرجة أن خصلات شعري تساقطت بصورة مروعة، ما جعلني أقوم بردة فعل قاسية؛ حيث حلقت شعري تمامًا، فأصبحت كامرأة في هيئة رجل.
ولدت تلك الضغوط في بيئة العمل؛ حيث كنت أعمل في إحدى المنشآت الصحية، والعمل كان صعبا للغاية، وكنت أشرف على عدد من الأشخاص، وأتابع مهامهم وأوجههم بالمهام المنوطة بهم.
وقد اصطدمت بأحدهم الذي كان يناصبني العداء ويضايقني، وكان يحاول أن يهدم كل ما أبنيه من خلال التشكيك في قدراتي، وفي تلك الفترة توفي ابن أختي، وكنت حاملا بطفلي الذي ولدته ولادة مبكرة؛ نتيجة كثرة الضغوط التي أحاطتني، حينذاك قررت اللجوء إلى أختي التي تعمل أخصائية نفسية، فنصحتني بالتركيز على نفسي والابتعاد عما يضايقني، فتعافيت والحمد لله.
تحمل الشخص
الدكتور وليد السحيباني استشاري الطب النفسي في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض، قال: إن التعرض لبعض الضغوطات شيء وارد وطبيعي في المجتمع ، فبعضها لا تؤثر علينا أو على صحتنا النفسية؛ لأنها جزء من الحياة، ولكن قد يفوق الضغط النفسي قدرة التحمل لدى الفرد الذي يتعرض للضغط من أحد أفراد العائلة أو زملاء العمل، وهنا نجد البعض يقومون بقطع العلاقة أو بتقليص التواصل مع الشخص المسبب للضغوطات، في هذه الحالة ننصح بضرورة المواجهة والتذكير المستمر بأن ثمة سلوكيات غير مقبولة، ومن المفترض أن يكف الطرف المزعج عن أفعاله، وفي حال لم يتوقف، فلابد أن تصبح العلاقة رسمية جدا لتفادي الاحتكاك معه، وهذا يعتبر من الحلول السليمة والمجدية.
غالبا بعض الضغوطات قد يستطيع الشخص التخلص منها بممارسة الرياضة أو الخروج مع من يحب، ولكن حين يستعصي الأمر بكثرة الضغوط الجالبة للقلق غير المحتمل، يجب اللجوء إلى العيادة النفسية.
ظواهر يومية
بينما قالت الدكتورة عبير المقبل الأخصائي النفسي الأول: إن الضغوط النفسية تعتبر إحدى الظواهر اليومية في حياة الأفراد، وأصبحت تقريبا جزءا من حياتنا اليومية خصوصا في هذا العصر، وفي الحقيقة قد يتعرض للضغوط النفسية أي فرد، فالضغوط هي عملية نفسية واجتماعية واسعة، وتشير إلى إدراك الفرد لعدم قدرته على إحداث استجابة مناسبة للمواقف التي يواجهها في البيئة، ويشعر أنها تهدد أمنه وسلامته وتسبب له ضعفا وتوترا، وأكملت: الضغوط- بصفة عامة- تنتج عن مثيرات خارجية تؤثر سلباً على الوظائف العضوية لدى الفرد، وقد يتفاوت الأفراد في تعرضهم لتلك الضغوط أو حتى تأثيرها على صحتهم النفسية، وذلك حسب عوامل الشخصية لديه ونظرته لذاته، وأيضا طريقة تفسيره للأحداث الضاغطة وكيفية تعامله معها، وعلى إثر ذلك قد تظهر عليه أعراض جسدية، وسلوكية وذهنية وأيضا عاطفية، وقد تكون هذه الأعراض مانعة له من مزاولة حياته بشكل طبيعي، وقد يصل إلى مرحلة للدخول في أحد الاضطرابات النفسية؛ كالقلق، أو الاكتئاب، وبالتالي لابد من طلب المساعدة من مختص نفسي لمساعدته في تجاوز تلك الأعراض الموجودة لديه بسبب تلك الضغوط.
تراكمات نفسية
بينما ترى الأخصائية الاجتماعية أماني العجلان أن الضغوط النفسية لا تأتي من عامل واحد، وقد تكون عبارة عن تراكمات ولدت في الفرد منذ طفولته، كأن يكون نشأ في بيئة أسرية مربكة، أو عاش طفولة مرفهة جدا، فحين يكبر ويواجه الحياة؛ إما أن يكون محاطا بتراكمات نفسية سيئة أو ستكون توقعاته عن الحياة، أنها سهلة تمامًا، كما عاشها داخل بيته، فيصطدم بالواقع.
فتبدأ مرحلة الضغوط النفسية ويصاب الإنسان بعدم فهم الأسباب المحيطة به، ولا يجيد التعامل مع المشكلات من حوله فيشعر بالضغط العالي عليه، وكلما تقدم في السن يواجه مشاكل أكبر ويزداد ارتباكه وقلقه؛ لاسيما إن لم يستعن بأخصائي ملم وفاهم، فبعض الأحيان تزيد الاعتلالات النفسية نتيجة للاختيار الخاطئ لأخصائي غير مدرك أو غير مسؤول فلا يجيد تشخيص الحالة تمامًا، كما يحدث مع الأخطاء الطبية أحيانًا، كأن يكون الدكتور غير كفء، فيتورط المريض بعلاجات غير صحيحة.
هرمون الكورتيزون
الدكتور نزار باهبري استشاري الباطنية والأمراض المعدية ومدير الجمعية السعودية للأمراض المعدية قال:
جسم الإنسان يفرز الكثير من الهرمونات، ومن أهمها هرمون الكورتيزون الذي يفرزه الجسم، كلما زاد التوتر والقلق لدى الشخص، وقد أثبتت الدراسات أن الهرمونات التي تنتج عن الاضطرابات النفسية تزيد من ضيق الشرايين، وبالتالي أوضحت الأبحاث الموثقة أنها ترفع من نسبة احتمالية الإصابة بجلطات القلب وارتفاع ضغط الدم وضعف المناعة، ومن المعروف أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب أو الذين يعانون من توتر عال غالبا ما تكون مناعتهم غير فعالة، فالأشخاص الذين يسيطر عليهم القلق النفسي تصبح كريات الدم البيضاء لديهم أقل كفاءة من الأشخاص المستقرين نفسيا.
وأكمل: ليس شرطا أن يكون الشخص المتعب نفسيا يعاني من ضغوط كبيرة، بل قد يكون إنسانا كتوما لا يتحدث عن المشاكل التي تواجهه في حياته.
ضربات القلب
من جانبه، أوضح الدكتور صالح الغامدي استشاري طب القلب والشرايين، أن الاضطراب النفسي قد يؤثر على ضربات القلب بعدة أشكال؛ الشكل الأول، أن تكون ضربات القلب بشكل مختلف، فيشعر الشخص بضربة مبكرة وضعيفة مما يؤدي إلى وقوف مؤقت، يليها ضربة قوية فتأتي على هيئة ضربة قوية أو نغزة أو هبوط أو ضيق تنفس، والشكل الثاني، حدوث تسارع في القلب مع نوبات هلع إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم، أما الشكل الثالث، حصول تباطؤ في ضربات القلب وبالتالي هبوط في الضغط وحالة إغماء، و كل ذلك ينتج عن القلق والتوتر وبعض الأمراض النفسية.
صداع وتشنجات
بينما قال الدكتور عمرو بخاري استشاري جراحة اللثة وزراعة الأسنان والأستاذ المساعد بجامعة الملك عبدالعزيز:
توجد أمراض معروفة عند الأطباء يصعب عليهم علاجها، وهي حالة عقلية أو ذهنية ، فعلى سبيل المثال نجد مرضى الاكتئاب والتوتر قد يزيد لديهم «الجز « والصرير على الأسنان في اليقظة، أو حتى أثناء النوم، فيؤدي ذلك إلى ألم في الأسنان وصداع وتشنجات في عضلات الفك والرقبة، ولكن إكلينيكيا، وفي الأشعة لا تظهر أي دلائل مرضية، وفي مثل هذه الحالات قد يكون العلاج عبارة عن أدوية مرخية للعضلات، أو قد يكون من خلال علاج الاكتئاب والتوتر؛ إما بزيارة طبيب نفسي أو بأخذ أدوية ضد الاكتئاب، ولكن من وجهة نظري؛ الرياضة والأكل الصحي والنوم والحياة الصحية هي حل مجدٍ، وأُفضّل تجنب الأدوية إلا للضرورة.
مرض نفسي
في المقابل، أشار الدكتور مهند القرشي استشاري طب وجراحة العيون ومتخصص في المياه البيضاء والجلوكوما إلى أن الأمراض الجسدية في بعض الحالات قد يكون سببها نفسيا أو يؤثر بها العامل النفسي إيجابا أو سلبا.
وعلى سبيل المثال، وفي مجال طب العيون قد يصاب شخص بالعمى التام دون وجود أي تفسير فيسيولوجي أو جسدي لهذا العمى، ولكن يكون السبب الوحيد لذلك هو المرض النفسي، طبعا يحدث هذا بشكل نادر حيث تم وصف القليل من الحالات التي يحدث فيها ذلك وبعد علاج المرض النفسي يعود البصر للمريض.