المدينة المنورة ـ البلاد
أمضى مواطن سعودي سنوات طويلة ملازماً للنحل؛ يراقب سلوكه ومواعيد سروحه ويجمع أجود أنواع العسل الطبيعي من تجاويف صخرية، أنشأها على مر السنين في قمم وأطراف جبال قرية “السديرة” بمركز الفقرة 160 كيلومتراً جنوب غرب المدينة المنورة.
عشق كبير للعسل يكنه عليثه مطلق الأحمدي، الذي يروي قصة ارتباطه بهذه المهنة قائلاً: “بدأت قصة مزاولة هذه الحرفة في الـ11 من عمري، فكنت حينها أساعد والدي في أعمال الزراعة إلى جانب تربية النحل البلدي، وصنع أخشاب بيوت النحل، وتجهيز الخلايا لمواسم الإزهار. ومنذ ذلك الحين تعايشت مع النحل، وأقتسم معه ما ينتجه من العسل الطبيعي الفاخر”. يمضي الأحمدي ساعات للوصول إلى مواقع خلايا النحل في جبال قريته “السديّرة”، متحدياً بعزيمة صلبة تضاريس جبلية وعرة؛ ليجمع العسل من عدة مواقع نصبها في تجاويف صخرية، يصعب لغير المتمرس الوصول إليها، مبدياً عشقه وشغفه لهذا العمل الشاق الذي بدأه هاوياً حتى باتت مهنته وجزءاً من حياته اليومية، ومصدراً لرزقه.
وبمرور السنين- كما أوضح ذلك الأحمدي، يكتسب النحَّال خبرة في التعامل مع النحل، ومواعيد جني محصول العسل ونضوجه، وطريقة تخزينه وفرزه، ولكن كميات العسل والمواسم التي يكثر فيها إنتاج العسل ترتبط بموسم الأمطار؛ فالمواسم الماطرة التي يكون فيها الغطاء النباتي كافياً لإزهار النباتات في الجبال والأودية والشعاب يساعد النحل على جمع غذائه من رحيق الأزهار، ومن هناك تكون كمية العسل وفيرة، في حين تقل الكمية في المواسم التي تكون كمية الأمطار قليلة. فيترك جزءاً من العسل في الخلايا لتغذية النحل ليظل قوياً لباقي المواسم. وتؤثر طريقة جمع وتخزين العسل وحفظه بشكل مباشر على جودة العسل؛
فالعسل يحتاج مكاناً مناسباً للتخزين، ويتطلب بيئة ملائمة لحفظه؛ فالحرارة الشديدة والبرودة الشديدة، وكذلك الرطوبة والإضاءة عوامل تؤثر جميعها على جودة العسل، وطول مدة حفظه بجودة عالية. كما أن تربية النحل وإنتاج العسل مهنة تحتاج إلى الصبر والتعلم وتحوي العديد من الأسرار يدركها من يتعايش مع هذا المخلوق العجيب. ويعد النحل البلدي أفضل أنواع النحل في نشاطه وقدرته على السروح لمسافات بعيدة تصل إلى 60 كيلومتراً يومياً؛ بحثاً عن النباتات والأزهار مع بداية الإشراق حتى عودته إلى المنحل قبل الغروب. وتفاوت سعر العسل من منطقة إلى أخرى في المملكة راجع إلى اختلاف مواطن الإنتاج؛ فالعسل الجبلي يتميز بقيمة غذائية وعلاجية أعلى من غيرها؛ نظراً لكمية الأزهار وتنوعها، فضلاً عن المشقة التي يتكبدها النحال لتفقد النحل وجمع العسل من الخلايا خلال المواسم؛ إذ يتراوح سعر الكيلو بين 800 إلى 1300 ريال للكيلو، فيما يقل في مواطن أخرى بحسب وفرته وجودته، والعسل جميعه يحوي فوائد عظيمة .