البلاد – مها العواودة – أحمد الأحمدي
عندما يصل الإنسان إلى مرحلة الشباب تتوجه أنظاره نحو العش الذهبي، ومغادرة العزوبية، بحثا عن حياة جديدة تسودها المحبة والاستقرار، ومن هنا يظهر نسق جديد من العلاقات يتضمن الزوج والزوجة والحماة والكنة ” زوجة الابن” وفي السياق الجمعي غالبا ما تطلق النكات على الحموات، وينسب لهن افتعال المشاكل في العائلة لتدخلهن في حياة أبنائهن، لاسيما الأمهات اللواتي يمارسن دور الحموات بحرفية، والنتيجة من هذا كله علاقة مشحونة بالتوتر. وتختلف العلاقة بين الحماة والكنة، من عائلة لأخرى، فبعضها دافئ وأخرى تشوبها المشاكل والضغائن.
ويشير خبراء في العلاقات الإنسانية والاجتماعية وعلم النفس، واستشاريو الأسرة والزواج إلى وجود أمور بين الحماة والكنة لا يتم الإفصاح عنها من كلتيهما. وتكون هذه الأمور المنبع للعديد من المشاكل في كثير من الأحيان، وقد تؤدي إلى تدمير العش الوردي وانفصال الزوجين.
الدكتورة رسمية الغامدي مستشار التخطيط الاستراتيجي التربوي والأسري، أكدت أن بعض مشكلات الزواج لا تكون متعلقة فقط بالزوجين، بل تتعلق بأم الزوج وبعض المشكلات التي تصطنعها؛ بسبب غيرتها من زوجة ابنها، أو غيرتها على ابنها، لأنها فقدت بقدوم الزوجة جزءا من أحاسيس الحب التي كانت تصلها من ابنها، لأن الكثير من الرجال بعد الزواج، يفضلون زوجاتهم على أمهاتهم اللائي ولدنهم، فضلا عن أن اهتمام الابن بأمه يقل بعد الزواج؛ بسبب أعباء الحياة ومشاغلها مع الزوجة والأبناء، وهذا يزعج جميع الأمهات- حتى وإن لم تظهر ذلك- بالإضافة إلى أن مدح الابن كثيرا في صفات زوجته أمام والدته يشعل نار الغيرة في قلبها، وللتخفيف من حدّة هذه الغيرة لابد من التركيز على بعض الأمور؛ منها محاولة فهم مشاعر أم الزوج كأم.
مساعدة الزوج ليبرّ أمه ويمنحها مقدارا كبيرا من المشاعر التي تفيض بالحب والتقدير، ومجالستها وحسن الاستماع لها خاصّة عندما تحكي عن حياتها والذكريات التي تحتفظ بها، وبعض خبراتها فإن هذا الأمر يزيد من التقارب بينهم ، وألا يجعلا والدة الزوج طرفا في الخلافات فيما بين الزوجين، والحرص على تقوية الروابط الودية بينها وبين ابنها.
سيناريو المحبة
ليلى القحطاني مشرفة برامج وأنشطة بوحدة الحماية الاجتماعية بأبها، قالت: إن الحماة (أم الزوج) امرأة تحمل كل مشاعر النساء المتنوعة، وفي حال كان جانب الغيرة هو السائد على بقية مشاعرها، فذلك قد يكون له سبب لأنها في مرحلة شبابها عانت من نقص الاهتمام بها كأنثى تستحق التدليل والمراعاة والاهتمام. هنا تكون (الكنّة) حريصة على مشاعر أم زوجها بأن لا تبالغ في إظهار مدى اهتمام زوجها بها أمامها ولتراعي أنهما ليستا من نفس الجيل، وأن لكل جيل عبر السنوات أدواته وله إطاره الذي يتحرك في مداه كل إنسان، ولنفترض أننا في هذا الزمن الذي سادت فيه لغة العلم والتقنية والانشغال ببناء مشاريع تنموية وعلمية وتطوعية.
وتابعت»: لنفترض وجود شخصية (حماة) بمعناها القديم، هنا يكون دور زوجة الابن الواعية أن تدخل وسيطا يجعل من أم زوجها طاقة إبداعية تعمل في أي مجال حُر، ليس بالضرورة ضمن مؤسسة حكومية تستثمر إبداعاتها وطاقاتها المكتنزة بداخلها وتدمجها هي وزوجها ضمن المشاريع التنموية المتاحة لكل إنسان في هذا الوطن العظيم، لأن الانشغال بالعمل يشغل عن الاهتمام بالترصد والتدقيق والعتب واللوم الذي يصدر من أم الزوجة نحو زوجات أبنائها؛ حيث هناك مجالات كثيرة تعمل فيها السيدة مهما كان عمرها وذلك بحسب ميولها وهواياتها وتستثمر طاقاتها في الإبداع لتشعر بوجودها كعضو نافع ومبدع». مؤكدة أن المبدعين لا يتذمرون ولا يختلقون صدامات اجتماعية أو نفسية.
وحول دور الابن قالت: ليس بالضرورة أن يشغل نفسه بتحديد خط التعامل بين زوجته وأمه؛ عليه فقط مساعدة كلا الطرفين بالانشغال بالعمل. فالعمل وحده هو الذي يسد ثغرات الخلاف ويجعل الجميع غير متفرغ للمشاكل، بعكس الفراغ الذي يجعل كل إنسان عبارة عن قنبلة جاهزة للانفجار في وجه التكوين الأسري.
ضوابط شرعية
الشيخ أحمد حمودة المستشار الأسري والمرشد الديني بالحرس الوطني، قال: إن الله جَبل الإنسان على جملة من النزعات والميول والرغبات، وهي مشتركة في عموم الخلق، فمسألة الغيرة والحسد والأنانية والأثرة مركبة في الإنسان في أصل خلقته في الجزء الذي يتعلق بنوازع الشر فيه، فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم «إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا « وقال أيضًا «وهديناه النجدين» ومن معاني هذه الآية أن الله هدى الإنسان للخير كما أنه بصَّره بالشر، وجعل له مطلق الاختيار بعد اختيار الله ومشيئته.
مؤكدًا أن الحموات ليسن بمنأى عن هذه القاعدة، فهن بشر ويعتليهن مايعتلي الناس من الغيرة ومحبة أولادهن وبناتهن، وإنما يتعامل مع ذلك وفق الضوابط الشرعية ببذل الندى وكف الأذى وحسن الظن والصبر أحيانا على الإساءة؛ لأن الأمر يحتوى بالحسنة، ولايحتوى بالسيئة. قال تعالى : «ادفع بالتي هي أحسن» وهي قاعدة عامة في التعامل مع هذه القضايا والمسائل التي تتعلق بالغيرة الاجتماعية؛ سواء كان من جهة الحموات أو الزوجات.
ضمان السعادة
الدكتورة سحر على الجوهري، أستاذ مشارك في علم اجتماع جنائي ومستشار في الإصلاح الأسري في جامعة الملك عبدالعزيز تقول: للتعامل مع أم الزوج الغيورة، وهي أم بالدرجة الأولى، وتحب ابنها وقلقة عليه، وتود الاطمئنان عليه. وعلى الزوجة أن تراعي ذلك، وتحرص على معاملتها باعتبارها أمًا لها كل الحقوق، وقد تتدخل في بعض الأمور؛ حرصا منها على ضمان سعادة وراحة ابنها، أو ترى الطريقة الأنسب للتعامل مع الأمر بطريقة إيجابية، وضرورة أن تتهيأ الزوجة مسبقا لكل ما يمكن أن يصدر عن أم زوجها ومعاملتها كأمها. وهذا لا يعني أن تكون مثالية بقدر ما يعني تجنب أي اصطدام معها؛ سواء بالكلام أو بتصرف ما، والحياة متداولة وستمر الزوجة يوما ما بهذا الدور.
وترى أن من الحكمة اتباع التالي ليشيع جو الود والتقبل المبدئي، الذي قد يتحول إلى ألفة وتفاهم بين الزوجة وأم زوجها.. يجب أن تحرص على تجنب أي تقارب بينها وزوجها أمام والدته؛ حتى لايثير ذلك غيرتها، وأن تتفاهم مع زوجها على تجنب الحديث نهائيا عنها كزوجة سواء بالمدح أو غيره أمام والدته، مع تركيز انتباه الزوج» وهو الابن» على والدته أثناء تواجدها معهما بصورة كبيرة؛ لتشعر أنها صاحبة السيادة، وكذلك لجوء الزوجة إلى أم زوجها واستشارتها في أي أمر يخص الزوج، فيما يتعلق بالطعام والطهي وكل ما من شأنه أن يسعده، مع ملاحظة إشعار والدته أنها صاحبة العلم والخبرة وهي كذلك، وأن الزوجة لا تحمل أي تجربة، ومن والدة زوجها تتعلم.
مشيرة إلى أن ذلك كله حرصا على وفاق الأسرة الجديدة مع أسرته الأولى ووالديه، وتحقيقا للاستقرار والتوافق الأسري على جميع المستويات.
مفهوم نفسي
الدكتور عبد المنان معمور بار أستاذ الإرشاد النفسي بمركز الدراسات الأسرية والنفسية في جامعة أم القري، أوضح أن الغيرة مفهوم نفسي من طبيعة النفس البشرية غير أن استخدام هذه الغيرة في مواقع مختلفة يكون ما بين انفعالية إيجابية وأخرى سلبية، فيما بين الحماة أم الزوج التي قامت بتربية الابن، وقد يكون لهذا الابن حظوة عندها في الاهتمام والرعاية والمكانة الخاصة، ولا شك أن دخول طرف آخر على ابنها كزوجته، يعتبر تهديدا بالنسبة لها كأم، فهي تعمل بكل ما في وسعها لكي لا ينفلت منها ابنها؛ لذا تبدأ الغيرة والتدخلات المباشرة.
ويضيف الدكتور عبد المنان: أحيانا أرى أن هذه الغيرة قد يكون بعضها مشاعر سلبية خطيرة حسب شخصية كل حماة، فالغيرة لها سلبيات وإيجابيات، فالتدخلات قد تكون سلبية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، موضحا بقوله: نحن نضع أمامها استراتيجية لكيفية التعامل مع الحموات الغيورات ومن هذه النصائح؛ أولا على الزوجة أن لا تصدر أحكاما عشوائية متسرعة، تكون سلبية على الحماة، وعليها أن تضع أمامها حدودًا للزوج وأمه، وقد يكون هذا أيضا غير كاف لحل المشكلة؛ بل قد تزداد تعقيدا، ولكن على الزوجة أن تعرف أولا أنماط شخصية حماتها ومفتاحها، وهنا تعرف كيف تتعامل معها، وأن تعطي الحماة أهمية كبيرة في السؤال عنها، وتقدم لها الهدايا وتستشيرها وتحضر مناسباتها وتدعوها أولا لهذه المناسبات وعدم تهميشها، وتشجيع زوجها على زيارة والديه، وجديه، وأن لا تسمح لزوجها بالتدخل فيما يحدث بينها وبين حماتها.
بدء الصراع
يقول أحمد الحازمي أخصائي اجتماعي: إن الغيرة موجودة داخل كل إنسان، وهي طبيعة فيه، والأم جزء من هذه الحياة حيث إنها ولدت وربت وتعبت على ابنها، ولا ترغب في أن يقسم ابنها محبته مع أحد غيرها؛ ولذلك عندما يتزوج الابن تظن أن الابن سوف يتركها ويكون فقط مع زوجته، وهنا تظهر المشكلات بينها وبين كنتها، ويبدأ الصراع، ويكون الابن بينهما حائرا، وحل هذه المشكلة يتمثل في أن تتقرب الزوجة من حماتها وتعاملها كما تعامل أمها.
سيكلوجية الأم
يقول الدكتور رجب بن عبد الحكيم بريسالي طبيب نفسي بمستشفى حراء العام بمكة المكرمة: في الحقيقة لكي نعرف الأسباب التي تجعل أم الزوجة تغار من زوجة ابنها، علينا فهم سيكلوجية الأم المبنية على حب التملك والسيطرة الكاملة على ابنها، يضاف إلى ذلك الخوف والخشية من فقدان الاهتمام من قبل ابنها الذي حملته في أحشائها تسعة شهور إلى جانب عناء ومشقة التربية؛ حتى أصبح رجلا.. كل تلكم العوامل النفسية تلقي بثقلها على كاهل الأم وتؤدي في النهاية إلى الغيرة.
تجدر الإشارة إلى أن تلك الغريزة التي جبلت عليها الأم وهي غريزة حب التملك، وعدم قبول مشاركة امرأة أخرى ليس بالأمر السيئ في جميع الأحوال؛ إذ إن الأم الذكية يمكنها تدارك ذلك فتمنع الغيرة من الظهور على السطح من خلال منح الزوجة الحب والتقدير اللذين تستحقهما.
وهناك عوامل أخرى قد توغر الضغينة والغيرة في صدر الأم كجمال الزوجة ومستواها التعليمي والاجتماعي العاليين؛ لذا ينبغى على الزوج (الابن) الفهم المتعمق لسيكلوجية والدته وعليه التصرف بهدوء وحنكة وحكمة لاحتواء أمه عاطفيا وذلك من خلال منحها المزيد من الاهتمام والدعم النفسي.