جدة : البلاد
أكدت المملكة العربية السعودية، حرصها الشديد على جودة حياة مدنها وتطوير حوكمة فعالة وإضفاء الطابع الثقافي العمراني المحلي من خلال تنويع المسؤوليات وتعزيز الفرص الجديدة على المستويين الإقليمي والمحلي، وذلك بقصد تكريس الإسهام الفعّال في تحول المملكة وتحقيق تطلعاتها الطموحة.
جاء ذلك في كلمة المملكة، خلال الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة، التي ألقاها وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لشؤون التخطيط الحضري الدكتور عادل بن بخيت الزهراني.
وأوضح أن المملكة مارست التخطيط الحضري واعتمدته منذ الستينيات بالتعاون مع بيوت خبرة عالمية؛ لمواكبة التحضر السريع الذي شهدته مختلف مناطقها ومدنها، مشيراً إلى أن هذه الممارسة المدروسة والمكثفة أدت إلى إنشاء مراكز حضرية كبرى مكَّنت من استيعاب السكان والخدمات ومرافق البنية التحتية، كما جرى ويجري بمجمل دول العالم، فقد أدى هذا التحضر السريع لتحديات عدة على صعيد النقل وجودة الحياة والإسكان والبيئة وغيرها.
وقال: ” في عام 2016م، شاركت المملكة بوفد رأسه معالي وزير الشؤون البلدية والقروية في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للإسكان والتنمية الحضرية المستدامة (المعروف باسم الموئل الثالث) الذي عقد بالأكوادور، إذْ عُرِضَ بالمناسبة العديد من المبادرات المهمة الجارية في المملكة في تلك الفترة، وناقش الوفد التجارب الدولية الرائدة لمواجهة تحديات المدن ورسم مستقبلها الذي سيجعل منها مدناً منتجة، تلائم رفاه العيش وتحقق الاستدامة.
وأشار إلى أن عام 2016م كان بمثابة مرحله مختلفة للتنمية الحضرية في المملكة، حيث أُطلقت رؤية المملكة 2030 الطموحة التي حدَّدت تطلعات وآفاق مهمة للبلاد، مؤكدةً في الوقت نفسه على الإصلاحات الرئيسة في القطاع العام والاقتصاد والمجتمع ككل.
وأفاد أن هذا التوجه قد شمل تنويع الاقتصاد، وتوسيع قطاع الثقافة والترفيه، والانفتاح على السياحة، والاستفادة من التقنيات الجديدة، وتمكين المرأة والشباب؛ بهدف تحسين نوعية حياة مواطنينا وجميع من يزورون بلادنا من مقيمين وسياح، مبيناً أن هذه المرحلة لم تكن تحولية للمملكة فحسب، بل كانت للعالم أجمع، إذْ تزامن ذلك مع وضع أهداف التنمية المستدامة والأجندة الحضرية الجديدة، وقد سمح لنا هذا التوافق العرضي بوضع تطلعات مهمة للمملكة، ومكننا من تصميم ورسم وإقرار خارطة طريق لتحويل مدننا وقرانا إلى هياكل حضرية ومنظومات حياتية متفاعلة تعزز القيم المشتركة للعيش، والشمولية، والاستدامة، والصمود.
وأضاف الدكتور الزهراني” مرت ست سنوات منذ إطلاق رؤية 2030 واعتماد الأجندة الحضرية الجديدة في كيتو، الإكوادور، حيث نشعر اليوم من خلال رحلتنا لتحقيق هذه الرؤية الرائدة أن لدينا الكثير من قصص النجاح والدروس المستفادة التي يمكن أن نشاركها مع العالم.
وأبان أن إحدى الأولويات الرئيسية للمملكة كانت هي تبنى “التوجهات الجديدة ومبادئ التنمية الحضرية المستدامة” في تخطيط وتصميم مدنها، حيث إنه من نواحٍ مختلفة، فإنّ الهيكل والنسيج العمراني للمدن السعودية يتشابه على مستوى العالم مع العديد من المدن التي تم تصميمها لاستخدام السيارة الخاصة، لافتاً الانتباه إلى أنه مع ذلك، فإن الجهود جارية اليوم لتصحيح وتطوير هذا الوضع في اتجاه تعزيز مبادئ التنمية الحضرية المستدامة ضمن جميع تدخلاتنا الحضرية.
وأردف يقول: كما أن لدينا أولوية رئيسة أخرى تتمثل في التركيز على “أنسنه المدن”، حيث كان العنصر البشري في السابق سمة أقل بروزاً في تخطيط وتصميم المدن السعودية، بينما أصبح اليوم عنصراً أساسياً ومبدأً توجيهياً ضمن مبادرات التنمية العمرانية في المملكة.
ولفت الانتباه إلى أنه على سبيل المثال، تم اتخاذ خطوات مهمة لاستعادة الأماكن العامة غير المستخدمة والمفتوحة في المدن بقصد تعزيز الرياضة والترفيه وتحسين جودة الحياة العامة لمواطنينا، فمشروع الرياض الخضراء، (الذي هو جزء من المبادرة السعودية الخضراء)، يهدف إلى زيادة المساحات الخضراء في المناطق الحضرية من 1.5% إلى 9%، وزراعة 7.5 ملايين شجرة في الشوارع بحلول عام 2030.
وعلاوة على ذلك، فإن المسار الرياضي في الرياض، الذي أوشك على الانتهاء، سيمتد 135 كيلومتراً عبر المدينة وسيتكون من ممرات المشاة الخضراء التي ستضم مساراً لركوب الخيل وطريقين أساسيين لركوب الدراجات مصممة لتلبي احتياجات الدراجين من جميع القدرات، وتربط هذه البنية التحتية بعضها ببعض أجزاء مهمة من المدينة، كما سيشتمل هذا المسار على مرافق فنية عامة لإضفاء عناصر إنسانية وجمالية في الأماكن العامة. وأيضاً، هناك مبادرة أخرى وهي مشروع “وسط جدة” الذي يهدف إلى الاستفادة من موقع جدة الاستراتيجي وتاريخها كبوابة للبحر الأحمر ويرمي إلى إعادة تصورها من خلال مناطق صديقة للمشاة متعددة الاستخدامات والوظائف، موضحاً أن الهدف هنا هو البناء على المزايا التنافسية للتاريخ والثقافة والموقع قصد تعزيز مشهد اجتماعي مزدهر يمنح مدننا إحساساً متجدداً بالدهشة.
وأكد أن مشروع “نيوم” يأتي اليوم لتمهيد الطريق في هذا التوجه، حيث إنه حلم جريء وطموح، يعد انطلاقة التغيير التي ستجسِّد مستقبل الابتكار في الأعمال والمعيشة والاستدامة، مبيناً أن مفهوم نيوم لا يقتصر على المكان فحسب، بل هو توجُّه فِكريٌ ونمط حياة، إذ إن تصميمَ هذا النموذج وإنشاءَه وإدارته يقوم على أسلوب متحرر من قيود المنهجيات القديمة للبنى التحتية الاقتصادية والبيئية، فتطوير المشروع يتم وفقاً لأفضل الممارسات والابتكارات الجديدة التي تعزز النمط الحضري المدمج والاستخدامات المختلطة، وحلول النقل متعددة الوسائل.
وأشار إلى الإشادة به بكونه المختبر العملي في المملكة حيث قدمت نيوم من هذه الزاوية الواسعة، فرصة لإطلاق الإبداع السعودي، وسوف تُطبَّقُ الدروس المستفادة في نيوم في جميع أنحاء المملكة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من المتوقع أن تشجع مشاريع جوهرية مثل نظام النقل العام الذي جرى بناؤه حديثاً في الرياض، إذْ يتضمن شبكة متكاملة من محطات المترو والحافلات وأرصفة للمشاة، بحيث يتم التحول من الاعتماد على المركبات الخاصة إلى استخدام حلول النقل العام متعددة الوسائل.
ولفت الزهراني إلى أن نظام النقل العام سيقوم بدور محوري في إعادة تشكيل فكرة التنقل داخل المدينة؛ ومن ثمَّ تحديث الطريقة التي ينظر بها الناس إلى المنزل والعمل والمسافات بينهما. وتتمحور الفكرة هنا حول تصميم المدن والأحياء لتكون فعالة، ومدمجة، ومتكاملة ومتصلة.
وجدد الإشارة إلى أنه في هذا الإطار بالذات تدرك المملكة أن الطموحات الحالية في المملكة لن تتحقق إلا من خلال “الحوكمة الفعّالة والعمل الجماعي”، حيث إن التحول الحضري الذي نشهده اليوم هو نتيجة لجهود مشتركة تشمل العديد من الجهات المعنية وأصحاب المصلحة في التنمية الحضرية في المملكة، ويشمل ذلك الوزارات والجهات الحكومية، ومستويات الحكومة المختلفة (من الوطني إلى المحلي) بالتعاون مع المجتمع المدني والقطاع الخاص والجامعات.
وأضاف سوف تتمكنون من متابعة ذلك عند مشاركتكم تقرير المملكة العربية السعودية حول تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة الهادفة إلى توثيق التغييرات التي تجري حالياً في جميع أنحاء المملكة، ويجرى إعداد هذا التقرير المهم كنتيجة لعملية جماعية وتشاركية من خلال مجموعة عمل متنوعة تشمل أصحاب المصلحة في التنمية الحضرية، من المستوى الوطني إلى المستوى المحلي.
وقال الدكتور الزهراني ” إن لدى المملكة العربية السعودية رؤية وخارطة طريق لكيفية تخطيط مدننا وإدارتها على امتداد القرن الحادي والعشرين. كما لدينا أيضاً قائمة متزايدة من قصص النجاح، بما في ذلك السياسات والمشروعات والمبادرات، التي تُنفَّذُ لتعزيز التحول وجعل المدن والقرى السعودية أكثر استدامة وصحة وحيوية”، معرباً عن أمله بأن يكون تقرير المملكة حول تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة مثل ما كان الموئل الثالث، مصدراً للإلهام والأفكار الجديدة بالنسبة للعديد من الدول؛ وذلك قصد تصورِ وتحديثِ وبناءِ مستقبل حضري أفضل للجميع.