جدة – البلاد
منذ زمن بعيد ارتبطت القهوة بالضيافة السعودية ، وهي حاضرة دائما على موائد الأسر وفي المناسبات ، فلا يخلو منها بيت خاصة في شهر رمضان ، وفي دائرة أوسع باتت القهوة بمختلف أنواعها مشروب يومي مفضل لدى المجتمع السعودي، الذي يشهد استثمارات نشطة وريادة أعمال في هذا المجال، وقد أطلقت وزارة الثقافة حملة للتعريف بمبادرة “عام القهوة السعودية” تستمر حتى نهاية رمضان.
من هنا ، بين حبة البن ومشروبها الساخن ، تبدو قصة “القهوة السعودية” مثيرة للاهتمام ، في ظل سوق محلي ضخم يقدر حجم الإنفاق فيه على (فنجان القهوة ) بنحو مليار سنويا، وسلاسل إمداد نشطة بين حبوب البن المحلي والمستورد.
تصنف المملكة من أكثر دول العالم استهلاكاً للبن لارتفاع معدل استهلاك القهوة، ويقدر الانتاج المحلي من البن السعودي في المواقع الجبلية بمناطق جازان والباحة وعسير ، نحو 1810 أطنان سنوياً، و350 طناً من البن الصافي بعد التقشير ، فيما تقدر الكميات المستوردة سنويًا للأسواق السعودية من البن بأكثر من 10 آلاف طن.
البن..أصل القصة
يبلغ عدد مزارع البن في منطقة جازان أكثر من 1985 مزرعة تحتوي على 340 ألف شجرة بن في محافظات القطاع الجبلي الدائر، وفيفاء، والعيدابي، وهروب، والرّيث، والعارضة، تنتج نحو 1320طناً سنوياً، و785 طنًا من البن الصافي بعد التقشير، وتحتضن مهرجانًا سنويًا لتسويق منتجاته.
أيضا مزارع البن الخولاني في المحافظات الجبلية بمنطقة عسير، وتزيد عن 300 مزرعة تضم أكثر من 40 ألف شجرة ، تنتج نحو 200 طناً من البن، و100 طن من البن الصافي بعد التقشير ، كذلك منطقة الباحة وبها أكثر من 250 مزرعة للبن ، تضم نحو 18 ألف شجرة بإنتاج 40 طناً ونحو 20 طنا من البن الصافي بعد التقشير.
وتسعى وزارة البيئة والمياه والزراعة إلى جعل 13 محافظة في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة مصدرًا مهمًا لإنتاج البن، خصوصاً البن الخولاني الذي يمتاز بالجودة والطلب المرتفع ، وذلك لزيادة نسبة إنتاج البن في المملكة ، ضمن مستهدفات القطاعات الزراعية ، دعماً للاقتصاد الوطني المستدام وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
وشرعت وزارة البيئة والمياه والزراعة في استثمار” الخولاني” في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة التي تتميز بمناخها المناسب لزراعة أهم أصناف البن والتي ثبت نجاحها تحت ظروف المنطقة. وأنشأت الوزارة وحدة أبحاث للبن، بمركز الأبحاث الزراعية في منطقة جازان، بهدف القرب من مُزارعي البن والوقوف على أبرز معوقات زراعته، وتقديم الحلول والمعلومات المتكاملة لتطوير المنتج.
«عام القهوة» والهوية الثقافية
عودة إلى مبادرة وزارة الثقافة بإطلاق “عام القهوة السعودية”، وما أكثر وأعمق مبادرات الوزارة التي يدعمها باهتمام كبير ، سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وجهود أجهزة الوزارة في تعزيز الهوية السعودية بكافة روافدها، وتجسيد عراقة إبداعاتها الفنية والثقافية ، مثلما كنوز تراثها ببهاء حضوره في اليونسكو ، شاهدا وموثقا للتواصل الحضاري مع ثقافات وحضارات الأمم بكل لغاتها وأجناسها ، في عالمنا الذي تتفاعل معه السعودية بإنجازات حاضرها وإشراقات طموحات مستقبلها ، ولأجل عالم أكثر ازدهارا.
فقد أطلقت الوزارة حملة للتعريف بمبادرة “عام القهوة السعودية” تستمر حتى نهاية شهر رمضان المبارك، في إطار الجهود النشطة للوزارة ورسالتها الوطنية ، عبر تعزيز الشراكة مع منظمات القطاع الخاص للمشاركة في مبادرة عام القهوة السعودية، التي تنظمها الوزارة بدعم من برنامج جودة الحياة أحد برامج تحقيق رؤية المملكة 2030، وذلك للاحتفاء بالقهوة السعودية بوصفها منتجاً ثقافياً مميزاً، يرتبط بالهوية السعودية، ويعكس التنوع الثقافي الكبير في المملكة عبر تنوع طرق إعداد وتقديم القهوة السعودية.
وتتضمن التعريف بمنتجات القهوة السعودية ومشتقاتها، وتعزيز العلامة التجارية للقهوة السعودية في المتجر الإلكتروني وداخل فروع الأسواق إلى جانب التعاون في تنظيم فعاليات أسبوع القهوة السعودية في الرياض وجدة والشرقية، وتقديم ضيافة خاصة داخل الفروع بهوية عام القهوة السعودية، وتوفير فناجين قهوة خاصة بهوية المبادرة.
إقبال على المعارض
لأعوام عديدة شهدت المدن السعودية الكبرى معارض للقهوة والشيكولاته ، في تلازم رائع لمذاقين مكملين لأمزجة ملايين المستهلكين من الجنسين، وفي أجواء تعكس متعة السياحة والترفيه.. وضمن هذه الخارطة اختتمت جدة “عروس البحر الأحمر” مؤخرا فعاليات معرضها الذي أقيم بإشراف غرفة جدة ، ومشاركة عدد من الجهات ، وعلامات تجارية عالمية ورواد أعمال وتجاوز رواد المعرض 10 آلاف زائر، على مدى ثلاثة أيام.
لكن ماذا عن جدوى معرض القهوة ، وما الذي تعكسه على المجتمع ؟
بالطبع جدواها كثيرة على سلوك المستهلكين من عشاق القهوة ، بمزيد من السعادة ، وتعكس مدى الارتباط بعبقها ومذاقها ، وتأثيرها في تنشيط الذهن بفنجان وربما مثنى وثلاث في اليوم عند البعض .. وأيضا ما أشار إليه نائب رئيس مجلس السياحة والثقافة بغرفة جدة ثامر العبود ، بأن مثل هذه المعارض تمثل دعما لقطاع الأعمال وتعزيزاً لرؤية السعودية 2030 ، التي استهدفت تحول هيكل الاقتصاد إلى اقتصاد متنوع ومستدام مبني ورفع إسهام القطاع الخاص.
الجميل أيضا في مثل هذه المعارض وتحقيقا لهذا الهدف ، أنه مع عبق القهوة وبريق معروضات الشيكولاته ، تقام العديد من ورش العمل المتخصصة بتعليم صناعة القهوة، ومسابقات الرسم بالقهوة، وعروضا مسرحية و أنشطة وفعاليات مختصة ببرتوكول وتقاليد الضيافة السعودية، كما امتزجت أجواء القهوة وموادها بالفنون والألوان التشكيلية واستخدامها في الرسم التشكيلي.
«إثراء» ونقوش»
أيضا استعرض “مجلس تعاليل” الذي يقيمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” طيلة شهر رمضان المبارك تاريخ القهوة السعودية، بمشاركة عدد من المثقفين والكتّاب، بمقر مركز “إثراء” بالظهران ، انطلاقا من ارتباط القهوة السعودية بالعادات والتقاليد السعودية وقيم الكرم والضيافة في مختلف مدن ومحافظات المملكة ، حيث تعرف المشاركون على طرق زراعة وتحضير القهوة الجنوبية والحساوية والنجدية والحجازية والشمالية ومرحلة إعدادها وتقديمها للضيوف، بهدف تعزيز مكانتها بوصفها موروثاً ثقافياً وعبقاً للماضي.
وحتى تكتمل الصورة لاهتمام المجتمع بالقهوة السعودية ، نستحضر فعاليات مشروع الأصول التراثية “نقوش” بمنطقة الرياض ، التي سجلت خلالها القهوة السعودية حضوراً لافتاً بتنظيم من هيئة التراث، وذلك من خلال مجالس القهوة السعودية ، تفاعلاً مع مبادرة “عام القهوة السعودية2022م” التي أطلقتها وزارة الثقافة مؤخراً.
وقد حصدت أركان مجالس القهوة السعودية إعجاب الزوار بما تضمنته من محتوى معرفي ثري مرتبط بالقهوة السعودية، مثل طرق ومراحل إعدادها بداية من الحمص ثم التحضير، وحتى تقديمها للضيوف ، ويشارك في هذه المجالس متحدثون يتناولون موضوع تاريخ القهوة السعودية وارتباطها الوثيق بالموروث الثقافي والاجتماعي في المملكة، باعتبارها رمزاً يرتبط بقيم الكرم وتقاليد الضيافة السعودية الأصيلة.
15 % استثمارات نسائية
أكملت غرفة جازان دراسة اقتصادية لإنشاء مصنع لإنتاج القهوة في المنطقة بقيمة استثمارية تقدر بـ 65.7 مليون ريال، وتمثل الفرصة 11 من الفرص الاستثمارية التي عملت الغرفة على إنهاء دراستها الاقتصادية.
وأوضح رئيس غرفة جازان أحمد أبو هادي أن الطاقة الإنتاجية للمشروع تبلغ سنوياً 1788 طنًا، وقدرت مؤشرات ربحية المشروع بعائد على الاستثمار يقدر بنسبة 538 %، فيما يبلغ معدل العائد الداخلي على الاستثمار 33.6%، وفترة الاسترداد 3 أعوام.
ولفت أبو هادي إلى أن حجم استثمار السيدات في مجال القهوة بلغ نحو 15% من إجمالي السوق، ومن المتوقع نموه إلى 32 % خلال سنوات قليلة، مما يوفر أيضاً الكثير من الفرص الوظيفية للشباب، ويتوقع خبراء متخصصون أنه بحلول عام 2025 سيصل الإنفاق على القهوة خارج المنزل إلى نحو 70 %، بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 18 % و32 %.