التعاون على البر وأعمال الخير والنفع العام عمومًا أمر لا يختلف عليه اثنان، والعمل الإنساني يعتبر أهم مجال من مجالات النفع العام، الذي يعود بالخير على كل جنبات المعمورة دو تمييز؛ من هنا تنبع أهمية التكاتف من أجل تذليل الصعاب أمام العمل الإنساني وتمكينه من الوصول إلى مناطق الصراعات والنزاعات، وتقديم مزيد من ضمانات الحماية للعاملين فيه بما في ذلك الحصانات الدبلوماسية.
ولا نقصد بالتكاتف ، فقط المؤازرة المادية بالمال، أو المؤازرة المعنوية بالتأييد والتشجيع فقط، بل الأمر أعم وأشمل، إن التكاتف هنا معناه شمولي إلى أبعد حد، فهو يتضمن التكاتف على المساهمات المادية، والتركيز على عقد منتديات وورش عمل للدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني، مع إعطاء مساحة أوسع وأكثر تخصصًا للجهود الأكاديمية والبحثية من أجل وضع الأسس العلمية للدبلوماسية الإنسانية والارتقاء بها، بصفتها من أهم فروع دبلوماسية المسار الثاني، وغرس فكرة العمل الإنساني في الضمير الجمعي والفردي للأفراد والأمم، فالتكاتف مفهوم اقتصادي تثقيفي تعليمي توعوي تشريعي تنفيذي على السواء.
وانطلاقًا من مفهوم التكاتف نؤكد على البيئة التي ينحدر منها الدبلوماسي في مجال العمل الإنساني، فليس بالضرورة أن يكون من بيئة مستغنية خالية من الصراعات حتى يسوغ له الانضمام للعمل الإنساني في المناطق المنكوبة، وبيئات الصراع الفقير، بل نؤكد على ضرورة وجود فريق عمل من الدبلوماسيين الإنسانيين يخرجون من رحم الدول المتصارعة والبيئات الفقيرة ماديًّا ومعنويًّا؛ وذلك لسبب رئيس هو كون هؤلاء المنتمين لهذه البيئات هم أعلم الناس بالمتغيرات المسيطرة على بيئاتهم، والجوانب التي يحتاجون إلى تنميتها، والأولويات التي ينبغي أن تتصدر العمل الإنساني في البقاع التي ينتمون إليها، والفئات الأحوج إلى المساعدة من غيرها، وبذا يتمدد مفهوم التكاتف ليشمل أكبر قطاع من البشر حتى المحتاجين أنفسهم.
وفي الصراعات الأخيرة التي شهدتها عدد من الدول العربية رأينا رأي العين كيف تكاتفت الدول بما فيها الدول النامية والتي تعيش على خط الفقر وما بذلته من جهود جبارة في استقبال وإيواء اللاجئين الهاربين من الحروب الدائرة في بلادهم، وهذا يبرهن على أن التكاتف في هذا الميدان لا ينفك عن أحد له القدرة على تقديم أي دور، أو أن يقوم بدوره في حدود إمكاناته وقدراته، حتى تتمكن الدبلوماسية الإنسانية من القيام بدورها في مجال العمل الإنساني بشقيه الإغاثي (وهو الاستجابة السريعة لفواجع الدهر وكوارث الطبيعة كالزلازل والفيضانات والحروب وغيرها)، والتنموي (وهي المشاريع الكبرى التي تهدف إلى إعادة بناء ما خلفته تلك الأزمات، ومبادرات تعمير المدن والقرى والمجتمعات المدنية).
* رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالمنظمةالعربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر.