اجتماعية مقالات الكتاب

الدولة السعودية والاستقرار الراسخ

 

يوم التأسيس هو أحد الأيام الوطنية التي يجب أن نفخر ونعتز بهويتنا السعودية الضاربة في عمق التاريخ، والممتدة لأكثر من ثلاثة قرون من الزمان، حيث يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى. ويوم التأسيس هو يوم تولي الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية سنة 1139هـ (1727)، وقد حُدِّد يوم 22 فبراير يومًا للتأسيس لتوافقه مع يوم 30/6/1139هـ والذي يوافق ميلاديًا يوم 22/2/1727م. وشعورنا بالفخر والاعتزاز بهذا اليوم باعتبار أن دول العالم كافة تحتفي بأيامها الوطنية كيوم التأسيس.

الإمام محمد بن سعود أسس دولةً بالمعنى الحقيقي يوم توليه إمارة الدرعية 1139هـ (1727)، لأنه تولى الأمر بظروفٍ استثنائية في المنطقة عامةً والدرعية تحديدًا، التي كانت تعاني الضعف والانقسام حالها حال البلدات والإمارات القريبة، كما أنها واجهت في تلك الفترة وباءً عامًا تمثل بانتشار الطاعون في الجزيرة العربية، ومع كل التحديات التي توافقت مع تولي الإمام محمد الإمارة، إلا أنه تغلب على كل التحديات وواجهها ونجح في ذلك، بعد أن وحَّد الدرعية تحت إمارته، ونشر الاستقرار والأمن ليس فقط في محيط الدرعية بل في إقليم العارض كافة حينها.

نهج الإمام محمد نهجًا سياسيًا حكيمًا وحصيفًا بتعاملاته وعلاقاته بالإمارات المجاورة له والعشائر القريبة منه، كما كان يتحلى بنظرة عميقة وثاقبة للأوضاع من حوله، وعلى وعي كامل بما يدور حوله وفي محيطه، لذا بدأ التخطيط منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها لتغيير النمطية الفوضوية التي كانت تعيشها المنطقة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.

الدولة والهوية الوطنية
أسس الإمام محمد بن سعود مسارات جديدة في تاريخ المنطقة بقيام الدولة السعودية الأولى وتأصيل الهوية الوطنية وقيم الانتماء والمواطنة ، وزاد الجانب المعرفي والتعليمي باهتمامه ودعمه بنشر الثقافة، واجتماعيًا تعززت القيم الاجتماعية وتعزز التواصل بين الأفراد والجماعات نتيجة الحالة الأمنية التي سعى لتحقيقها الإمام، والتي انعكست في الوقت نفسه على الجانب الاقتصادي، الذي كان يعاني انعدام الأمن في حركة القوافل والتجارة، بينما قام الإمام بفرض الأمن ما زاد من النشاط الاقتصادي وارتفعت التبادلات التجارية.

وبناءً على ذلك يُعد بداية عهد الإمام محمد بن سعود تأسيسًا حقيقيًا ومنطقيًا لشموليته في النظرة لتأسيس الدولة، بفرض الوحدة السياسية للمنطقة المحيطة به في نجد ومنها إلى بقية الجزيرة العربية مما استُكمل بعد وفاة الإمام رحمه سنة 1179هـ (1765). كذلك القفزات الاقتصادية المهمة في المنطقة بزيادة الحراك ونشاط القوافل وأمنها، إذ حرص الإمام على هذا الأمر تحديدًا لأنه يفرض منطق الدولة الذي غاب طويلاً عن الجزيرة العربية قبله.
لذلك فإن يوم 22 فبراير يُعد يومًا لبداية تأسيس الدولة السعودية ومرحلة تحول في تاريخ الأسرة السعودية المالكة الذي يمتد قرابة ستة قرون من الزمن، حينما أسس مانع المريدي الدرعية، وهو الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه.

وهذا التحول التاريخي الذي حدث في عهد الإمام محمد بن سعود كان في تغير شكل الحكم من إمارة تمثل دولةً صغيرة إلى دولةٍ كبرى بكل تفاصيلها ومعطياتها حسب المفهوم التاريخي العميق. وحينما نقول الدولة الصغيرة المتمثلة بالدرعية أو ما يسمى دولة المدينة؛ فإن هذا مفهوم فلسفي تاريخي ممتد منذ فترات تاريخية قديمة كما هو الفلسفة اليونانية الكلاسيكية التي تحدد بخمسة قرون قبل الميلاد، حيث كانت اليونان مكونة من مدنٍ عدَّة أهمها أثينا وإسبرطة ومقدونيا، وكان كل مدينة تمثل دولةً بحد ذاتها ولها استقلاليتها، والدولة الكبرى دائمًا ما تكون نواتها المدينة الدولة، وهذا ما حدث مع الإمام محمد بن سعود حين حوَّل الدرعية من المدينة الدولة إلى الدولة الكبرى المتمثلة بالدولة السعودية الأولى فالثانية ، ثم انطلاق المملكة العربية السعودية دولة فتية حديثة على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ، طيب الله ثراه.

أنموذج ناصع
المملكة في حاضرها الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ، حفظهما الله ، تقدم أنموذجا ناصعا للاستقرار والإنجاز والتقدم ، برؤيتها 2030 الطموحة .. وهنا تكمن القيمة العظيمة لتواصل فصول مسيرة الدولة من أهدافها الأولى إلى الريادة والتأثير العالمي .. ما هي أبرز ركائز استقرار وتقدم المملكة رغم التحديات الإقليمية والمحيط المضطرب.
المملكة العربية السعودية تنطلق من عُمق تاريخي عظيم وزاخر بالإنجازات التي سطرتها الذاكرة التاريخية بتعدد مصادرها خلال ستة قرون مضت، كانت بدايتها بتأسيس الدرعية على يد الأمير مانع المريدي 850هـ، وجاء تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد مؤسسها الإمام محمد بن سعود سنة 1139هـ تحولاً قبل ثلاثة قرون بإنجازٍ تاريخيٍ غير مسبوق لعودة الدولة العربية بعد غيابٍ طويل.
لذلك ترتكز المملكة العربية السعودية اليوم على تجربة تاريخية تدعو للفخرِ، وإرثٍ مميز يزهو به الوطن. ورؤية المملكة 2030 في ظل رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقائدها سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ، حفظهما الله ، ضمنت المعاني التاريخية والإرث الوطني في أهم منطلقات الرؤية.
يُترجم ذلك ما نراه اليوم من اهتمام بالتاريخ والتراث الوطني، وتأصيله بما يستحق من خلال إحياء الأيام الوطنية العظيمة، التي من ضمنها يوم التأسيس في 22 فبراير. إضافةً إلى ما يتلقاه المتخصص بالتاريخ والتراث من دعمٍ متواصل لتهيئة بيئة علمية ومعرفية للوصول لمرحلة الوعي التاريخي الكامل بما نمتلكه من مكتسبات وقيم ضاربة في القدم بتاريخنا القديم والوسيط والحديث والمعاصر، فتتوافق وتتوازى تفاعلاتها وبرامجها مع ما يتم تقديمه من دعمٍ على مستوى عالي في هذا الجانب، الذي يعتبر يوم التأسيس أحدها كمناسبة يجب أن تعيها الذاكرة الوطنية وتحتفي بها في يومها لتعي الأجيال كافة ما قدمه الأئمة والملوك من هذه الأسرة السعودية المباركة، ليوصلوا تاريخهم العريق بحاضر زاهر نتفيأه في وطنٍ عظيمٍ شامخ ومستقبله الطموح.

 

أستاذ التاريخ السعودي بجامعة الإمام محمد بن سعود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *