تعرف النزاهة Integrity بأنها مجموعة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل، والالتزام بالسلوك القويم، والاهتمام بالمصلحة العامة، وحرص الذين يتولون مناصب معينة على الإعلان عن أي نوع من تضارب المصالح قد ينشأ، بين مصالحهم الخاصة والمصالح العامة التي تقع في إطار مناصبهم، ومنع تلقّي الموظف أي مقابلٍ ماليٍّ (الرشوة) من مصدر خارجي، للقيام بأي عمل يؤثر في المصلحة العامّة، أو يؤدي إلى هدر المال العام.
ولا يمكن تنفيذ العمل الإنساني الفعال إلا عندما يتم فهم مبدأ النزاهة واحترامه، فالنزاهة في ميدان الدبلوماسية الإنسانية تعني أنه: « يجب أن يتم تنفيذ العمل الإنساني على أساس الحاجة فقط، مع إعطاء الأولوية لحالات الشدة الأكثر إلحاحًا، وعدم التمييز على أساس الجنسية أو العرق أو الجنس أو المعتقد الديني أو الطبقة أو الآراء السياسية «، إنها تضمن الموضوعية، وقبل كل شيء، العدالة الإنسانية.
بهذا المفهوم لمصطلح النزاهة يتبين لنا مدى أهميته القصوى في عمل الدبلوماسي الإنساني، حيث تتطلب النزاهة من الذين يخدمون في هذا الميدان ألا يضعوا أنفسهم تحت إغراء الأموال، أو أي التزامات لأفرادٍ أو مؤسسات من الممكن أن تؤثر في أدائهم لمهام وظيفتهم المكلفين بها من قبل المؤسسات التي يعملون تحت مظلتها.
ولنضرب مثالًا لذلك ببرنامج الأونروا الصحي الذي يعطي أولوية قصوى للاجئين الذين يعانون من أمراض تهدد حياتهم ويفتقرون إلى الأصول المالية أو التغطية التأمينية اللازمة للحصول على العلاج الطبي، وعلى نحو مماثل، فإن الإستراتيجية متوسطة الأجل التي يتبناها برنامج التعليم التابع للأونروا تهدف إلى زيادة تركيزها على الطلاب الذين يحتاجون إلى تدخلات موجهة، مثل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال الذين تعرضوا للإساءة والعنف الجسدي والاستغلال، وفي هذا الإطار تتبع الأونوروا تدابير صارمة لضمان عدم ارتباط مباني الوكالة بأي مجموعة معينة أو استخدامها بطريقة توحي بعدم تبني النزاهة.
وفي تسعينيات القرن المنصرم جاءت صياغة (مدوّنة السلوك) للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية في مجال أعمال الإغاثة في حالات الكوارث كاستجابة لحاجة حقيقية لواقع غير عادي للعمل الإنساني.
وفي ظل هذا المناخ سعت « مدوَّنة السلوك « نحو إقرار معايير مشتركة للإغاثة في حالات الكوارث، حيث أكدت على أن الباعث الأول للمساعدة الإنسانية هو تخفيف المعاناة الإنسانية، مؤكدة أن تلك المساعدة يجب أن تُمْنح على أساس الحاجة وحدها وليس كأداة للسياسات الحكومية أو الخارجية، وهذه مُثُل تتلاقى عن كثب مع مبادئ الإنسانية وعدم التحيّز والاستقلال الخاصة بالحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر.
رئيس مركز الاستشارات والتدريب والتطوع بالأمانة العامة للمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر – عضو المركز الدولي للدبلوماسية الإنسانية.