متابعات

تيماء كنز الآثار .. ومهد الحضارات

جدة ـ البلاد

تطفو محافظة تيماء التي تقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية على كنوز تاريخية وأثرية ضاربة في القدم لتصبح معها مهداً للحضارات الإنسانية المتعاقبة على شبه الجزيرة العربية، وكنزًا من كنوز آثار المملكة التي حظيت بأصداء واسعة على المستوى العالمي، بوصفها مهداً لآثار يعود تاريخها إلى أكثر من 85 ألف عام، في حين وجدت حاليًا اهتمامًا كبيرًا من الدولة في إطار رؤية المملكة 2030، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة.

ورد اسم تيماء في الكتابات المسمارية الآشورية، والمسمارية البابلية، والآرامية، والنبطية، وكانت محوراً مهماً في العهد البابلي, وولى «الرسول صلى الله علية وسلم» الصحابي يزيد بن أبي سفيان عليها، وكانت مورداً مهماً ومنطلقاً للفتوحات الإسلامية، ومرت تيماء خلال العصر الإسلامي بأحداث عدة، وكانت تظهر تارة وتخبو تارة حتى عهد الدولة السعودية حيث بدأت تيماء بالنمو، وشهدت ازدهارا متواليا في مختلف الصعد وأكسبها تراثها الثقافي والتاريخي شهرة واسعة.

 

شواهد تاريخية
وتتميز تيماء بوجود معالم وشواهد تاريخية مثل: «السور الخارجي» الذي يعد من أطول الأسوار التاريخية في الجزيرة العربية وأكثرها تحصينا إذ يبلغ طوله أكثر من 10 كيلومترات وارتفاعه في بعض الأجزاء المتبقية حاليا اكثر من 10 أمتار وعرض جداره ما بين المتر والمترين، وشيّد السور في بعض أجزائه بالحجارة، وفي أجزاء أخرى من اللبن والطين وتعود فترة بناء السور إلى القرن السادس ق.م وكذلك قصر الحمراء وهو مبنى ذو ثلاثة أقسام الأول معبد والآخرين للسكن أحدهما شيد ضمن فترة المعبد ثم أضيف الجزء الجنوبي من القصر خلال فترة لاحقة تم الكشف عنه عام 1979 م ومن أهم بقاياه مسلة تحمل نصاً أرمياً وحجر مكعب يحوي مشاهد ورموز مختلفة يعود تاريخ القصر إلى القرن السادس ق.م .

قصر الرضم
ومن أهم آثار تيماء أيضاً «قصر الرضم»، وهو عبارة عن حصن مربع وسطه بئر مشيد من الحجارة المصقولة وله دعامات في زواياه ووسط أضلاعه من الخارج ويصل عرض جداره إلى المترين ويعود تاريخ القصر إلى منتصف الألف الأول ق.م.
كما يعد بئر «هداج» من أشهر الآبار التي عرفها العالم القديم ويعود تاريخها إلى منتصف القرن السادس من الألف الأول ق.م، وتعرضت البئر خلال تاريخها لأحداث عدة اندثرت خلالها لكن معالمها بقيت حتى أعيد حفرها قبل 400 عام تقريبًا لتعود للعمل والعطاء، وتستمر في إمداد المكان بالمياه بواسطة السواني حتى عام 1373هـ .

موقع قرية
تضم تيماء أيضاً موقع «قرية»، وهو موقع كبير تزيد مساحته على 300 هكتار ويحتوي على الكثير من المعالم العمرانية المشيدة من الحجارة والقصور والمباني المدنية والمنشآت الزراعية من آبار وقنوات ري ومرافق متعددة , ويحتوي الموقع على مدافن من الفترة الأرمية، إضافة إلى أنه تم تحصين هذه المنطقة بسورين داخلي وخارجي تعلوهما أبراج مراقبة تتركز في الجهتين الجنوبية والغربية.
وكشفت أعمال التنقيبات في هذه المواقع نتائج علمية مهمة ومنها الكشف عن أجزاء من التل الرئيسي الذي تظهر مكتشفاته وجود مراحل استيطانية متعددة، وبرزت منه العديد من المنشآت والمرافق , حيث تم الكشف عن أجزاء من السور ومنشآت ملاصقة , أظهرت نتائج تحليل البناء إلى أن السور يعود في تاريخ إنشائه إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد .

 

قصر السموأل
من أهم المعالم البنائية الأثرية في تيماء قصر السموأل «الأبلق الفرد» الذي اكتسب شهرة واسعة، وأسهبت المصادر التراثية في الحديث عنه، ويقع في الجزء الجنوبي من المدينة القديمة لتيماء إلى الشمال من المقر الجديد لبنى محافظة تيماء، وينسب بناؤه إلى عاديا الجد الأول للسموأل، وورد ذكر الحصن في العديد من كتب العرب القدماء، وممن ذكره ياقوت الحموي الذي يقول عنه «إنه على رابيه من تراب فيه آثار أبنيه من لبن لا تدل على ما يحكي عنها من العظمة والحصانة».
ومن معالم البناء في محافظة تيماء مصنع الطوب الفخاري ويقع داخل المنطقة السكنية الجديدة ويعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد , وقصر البجيدي أحد معالم الفترة الإسلامية المبكرة، والقصر عبارة عن شكل مربع له أبراج في زواياه، وتم الكشف عن بعض أجزائه التي تحمل جدرانه عدد من النصوص العربية التي توثق لفترته التاريخية , ورجوم صعصع وتقع جنوب تيماء على مساحة واسعة تصل إلى 27 كيلو متراً مربعاً, وهو حقل من المقابر الركامية المختلفة في أشكالها، ويعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد .

مدافن قديمة
أوضحت الآثار المكتشفة في المنطقة الصناعية جنوب تيماء الممتدة لمسافة 4 كيلومترات إلى أنها عبارة عن حقول من المدافن على شكل مجموعات أو مدافن متفرقة وتتماثل تقريباً من حيث النمط ومادة البناء، لكنها كثيراً ما تختلف في الحجم وغالبا ما نجدها عبارة عن غرف مربعة أو مستطيلة بنيت فوق سطح الأرض، وتتصل بمبنى دائري لا يستخدم للدفن، وعلاوة على الأنماط والعناصر المعمارية المهمة لهذه المدافن فقد كشفت أعمال التنقيبات عن العثور على أعداد كبيرة من القطع المميزة التي اشتملت على أواني وأدوات فخارية متنوعة في استخداماتها وتماثيل فخارية وبرونزية وحلى وأدوات زينة تعود للقرن السادس قبل الميلاد.

 

جبل غنم
وتشتهر تيماء بوجود «جبل غنيم» الذي يقع جنوب شرق تيماء بمسافة 10 كيلومترات في سلسلة جبال تمتد حول تيماء عبر زاويتها الجنوبية الشرقية وعلى قمة الجبل آثار لبناء مهدم وعلى الواجهات الصخرية، ووجد على الجبل نقوش تشير معظمها إلى رموز عقائدية قديمة، وكذلك العديد من التلال والأعمدة المنصوبة, ومن أهم مواقعها جبل غنيم ووضحى والخبو الغربي والشرقي والمشمرخه والصفاة الماردة والخبو والمكتبة وأم سرف ومحجة تيماء وطويل سعيد وغيران المجدر وغيرها كثير.
كما وجد في تيماء عدد من النقوش المسمارية التي تعود إلى القرنين السادس والثامن قبل الميلاد، وكما في العصور الغابرة ضل موقع حافظة تيماء بإرثه وأثاره وتاريخه العريق موقعاً جغرافياً متميزاً على مدى تعاقب الحضارات والعصور والدول، انطلاقاً منذ عصر الاستقرار البشري بدءاً بالعصور الحجرية ثم العصر البرونزي ثم الحديدي ثم العصر الجاهلي الذي تمثله فترة السموأل ثم العصر الإسلامي ومروراً بفتراته المتعددة وحتى العصور القريبة, ومنها إلى عهد المملكة العربية السعودية بمراحله الثلاث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *