البلاد ـ مها العواوده
تواصل المملكة العربية السعودية دوما سعيها إلى إدماج حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن خططها الوطنية تماشيًا مع رؤيتها للتنمية المستدامة 2030 ومعالجة كل الصعوبات التي تعترضها ، ويأتي ذلك استشعارا منها بواجباتها تجاه تقديم جميع الخدمات والبرامج التي تحتاجها هذه الفئة الغالية من المجتمع الذين يملكون من العزيمة والإلهام والإصرار ما لا يملكه الكثيرون ، وفي هذا الصدد قامت المملكة بإقرار عدد من التشريعات التي تخدم حقوق هذه الفئة من المجتمع وتراعيها، منها الموافقة على المشروع الوطني للتعامل مع اضطرابات تشتت الانتباه وفرط الحركة والتعامل مع التوحد واضطرابات النمو الشاملة والكشف الطبي المبكر عن الأمراض الاستقلابية والغدد لدى حديثي الولادة، وإنشاء 38 مركزا للتأهيل الشامل ودعمها بالكوادر المتخصصة موزعة على مختلف مناطق المملكة واعتماد برامج الرعاية الصحية المنزلية وإنشاء الاتحاد السعودي لرياضات ذوي الاحتياجات الخاصة الذي أنشأ 15 مركزا تدريبيا على مستوى مناطق المملكة ،
كما أن الأشخاص ذوي الإعاقة في المملكة يتمتعون بعدد من الامتيازات التي كفلتها لهم الدولة منها تخصيص إعانة مالية شهرية لهم وتمكينهم من استخدام وسائل النقل العامة ومنحهم ومرافقيهم تخفيضا بنسبة 50 في المائة داخل المملكة وخارجها وتوفير الأجهزة التعويضية والمعينات السمعية والبصرية وغيرها مجانا وتقديم رعاية اجتماعية وطبية ونفسية لذوي الإعاقة ومنح الأشخاص ذوي الإعاقة سيارات مجهزة وتوظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الحكومي وتشجيع القطاع الخاص على توظيفهم، فضلا عن توفير التعليم الخاص لذوي الإعاقة من خلال معاهد متخصصة بالإضافة لدمجهم في التعليم العام.
في هذا السياق أكد مختصون وتربويون أن منهج المملكة العربية السعودية تجاه رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة ودعمهم إنما يعبر عن رغبة صادقة وأكيدة تجاه دمج هذه الفئة في المجتمع ومعالجة كل الصعوبات التي تعترضها، لافتين في الوقت نفسه إلى أن دمج ذوي الاعاقة يعزز ثقتهم في أنفسهم ويزيد من أحساسهم بالانتماء للمجتمع.
أعضاء فاعلون
خالد بن جميل الحارثي مستشار للتعليم والتدريب يؤكد أن عملية الدمج للأطفال ذوي الإعاقات يتيح لهم أن يكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم، إذ إن دمجهم في المدارس مع أقرانهم غير المعاقين سيساعدهم على تكوين صداقات والتفاعل بشكل طبيعي مع الآخرين، وسيزيد إحساسهم بالانتماء إلى المجتمع، الأمر الذي سيؤدي إلى تحفيزهم وتنمية قدراتهم والتخفيف من صعوبة انتقالهم الى مراكز متخصصة بعيدة عن بيئاتهم بهدف التعلم. كما تساهم عملية الدمج ايضا على زيادة تقبل المجتمع لهم وتغير من نظرة الأطفال غير المعاقين إلى الإعاقة، حتى تترسخ قناعات جديدة بأن المعاقين أيضًا يمتلكون القدرات التي تؤهلهم للاعتماد على أنفسهم.
كما أوضح ان عملية الدمج لها ابعاد نفسية واجتماعية وصحية وتربوية يجب الالمام بها وكيفية التعامل معها. لافتا أنه ليس كل معاق يمكن دمجه فهناك اعاقات شديدة تحتاج الى ايواء واعاقات تحتاج الى معاهد ومراكز متخصصة واعاقات يمكن دمجها بالمجتمع اما دمجا كليا او جزئيا.
أسلوب علاجي
المعلم عبدالله كايد الخويران الشراري يرى في عملية دمج ذوي الإعاقة في المدارس العادية دوراً كبيراً في تحسين ظروفهم الحياتية حيث يمنحهم التكيف مع رفاقهم وذويهم من أبناء المجتمع ،حيث يعد الدمج أحد أهم الأساليب العلاجية التي نادى بها المختصون والتربويون والأطباء ، كما أن دمج ذوي الإعاقة مع العاديين من المفاهيم التي شاع استخدامها مؤخرا وكثرت حوله النشاطات والأبحاث العلمية.
حيث أن أهمية الدمج للأطفال المعاقين في النقاط التالية مساعدة الأطفال على تنمية مداركهم عن العالم المحيط بهم. مساعدة الأطفال على تكوين صداقات ومنحهم الإحساس بالانتماء وتعليم الأطفال الأنشطة التي تساعدهم على القيام بدورهم في الأسرة والمجتمع ليكونوا أعضاء فاعلين.
وتابع: من خلال تعايش الطلاب العاديين مع طلاب ذوي الإعاقة ومع مرور الوقت سَيتفهّم المجتمع حاجة هؤلاء الطلاب إلى أن يكونوا بيننا لأنه لا يكاد يخلو منازل الطلاب او أقاربهم من هذه الفئة.
لافتا إلى اهتمام ديننا الإسلامي الحنيف اهتماما بالغا بذوي الإعاقة في المجتمع الإسلامي، وأعطى الإسلام لهذه الفئة حقوقهم كاملة، وحرص على دمج المعافى منهم في مجتمعه، وأهاب بالأسوياء أن يفتحوا الطريق أمام كل معوق ليمارس حقوقه كاملة وسط مجتمعه بعيدا عن التعيير أو التعييب، فالمجتمع المسلم هو المجتمع الموصوف بالرحمة التي هي اسم من أسماء الله – سبحانه وتعالى -، والرحمة واجبة لمستحقيها من المعوقين قبل الأسوياء.
كما اوضح أن مدارس المملكة العربية السعودية في الغالب لا تخلو من معلمي التربية الخاصة بكافة التخصصات فهم بذلك ليسوا بحاجة إلى كوادر تعليمية متخصصة.مؤكدا أن المدارس الحكومية في المملكة العربية السعودية تم تصميمها لتكون ملائمة لطلاب ذوي الإعاقة من مداخل ومخارج وفصول ملائمة لهم الى مافي ذلك من دورات مياه خاصة بهم في كل مدرسة.
مدارس الدمج
من جانبه يرى المهندس المعماري هادي جعفري وجود مواصفات لابد من تواجدها في مدارس الدمج من نواحي البناء لمساعدة ذوي الهمم.
مؤكدا ضرورة تهيئة الموقع المناسب للمشروع وتهيئة الأماكن والخدمات كتوفير المصاعد الخاصة والمنحدرات او رامبات العربات والكراسي المتحركة وممرات المكفوفين ودورات المياه الخاصة ومواقف الحافلات والسيارات.
وكذلك توفير وتجهيز فصول التربية الخاصة وغرف المصادر والغرف السمعية والحسية الشاملة والتقنيات المساعدة المناسبة وانظمة الإنارة والصوت ووسائل الترفية والعيادات المتخصصة.
مؤكدا ضرورة تهيئة الحيز ذي الاتساع ليحقق سهولة الحركة والتدريب وتكون متوسطة بين الفصول والتي يحتاج الطلاب فيها لعناية خاصة وما يسهل حركتهم بدون اي صعوبة ويكون بها وسائل تعليمية وتربوية ومؤثثة حيث تحقق وتوفر خدمات كافية وتفي بالإحتياجات.
نظرات الشفقة
اعتبرت المعلمة مي الدوسري – وهي أم لطفلة من ذوي الإعاقة – دمج أصحاب الإعاقات الحركية والبسيطة مع الطلاب الأسوياء يمكن أن يحقق الدمج أهدافه وفوائده.
مؤكدة أن أهمية الدمج كبيرة بالنسبة لذوي الهمم حيث يشعرهم ذلك بأنهم غير مختلفين بما أن القدرات العقلية سليمة والفرق فقط في الحركة ولا تؤثر على التحصيل الدراسي وفهمه وإدراكه مناسب وجيد للمناهج الوزارية المسندة للتعليم.
كما أوضحت اهمية عدم توجيه نظرات الشفقة تجاه ذوي الهمم حيث يكون الإصلاح من البداية من داخل أسرة هذا الطالب وتقويته والحديث معه وشرح حالته والتأكيد له بأن هذا الخلل لن يعيقه عن تحقيق ذاته وطموحاته ولا يلتفت للمحبطين ابدا. مشيرة إلى أن هذه الخطوات الأولى للأسرة مع الطفل المعاق تجعله قادراً على تفهم المجتمع وتغيير نظرة الشفقة بهمته وتجاوزها إلى نظرة فخر.
لافتة الى وجود برامج مختلفة وآليات خاصة في المدارس المحققة للدمج مثل بطء التعلم وصعوبة التعلم والإعاقة الفكرية.
مشيرة أن هذا الدمج يتطلب وجود كوادر تعليمية متخصصة «دقيقة» حتى يأخذ الطالب حقه بشكل كامل.
تعزيز الثقة
الخبيرة التربوية مسفرة الغامدي تؤكد على أهمية الدمج لهذه الفئة لانه يساعدهم على تعزيز الثقة بالنفس والاعتماد على الذات كما انه يخلق جواً من الألفة من خلال التعاون بين الجميع من ابناء المدرسة الواحدة.
كما أشارت إلى ضرورة تعويد الطالب من ذوي الإعاقة على تجاوز نظرات الشفقة من زملائهم وذلك من خلال زرع اهمية الاعتزاز بالذات ومناقشتهم في ان كثيرا من الناس هم بحاجة لرعاية خاصة فالمريض يحتاج للرعاية ومن كسرت قدمه يحتاج للعكاز والمساعدة ومن تضايق من مشاكل الحياة احتاج لمن يواسيه لحل مشاكله ومن تأخر دراسيًا احتاج لمن يذاكر له دروسه بالتالي اصبح كل افراد المجتمع من هم في المدرسة هم من ذوي الاحتياجات المختلفة بالتالي لابد من الثقة بالنفس لتجاوز كل الصعاب.
كما أوضحت أن هناك آليات وبرامج خاصة للطلاب من ذوي الإعاقة من خلال قسم التربية الخاصة بالوزارة واتباع توجيهاتهم لمتابعة هذه الفئة. مؤكدة ضرورة توفر متخصصات كل فئة حسب المسار الخاص بها من التخصصات الجامعية.
تعليم مميز
تسعى وزارة التعليم إلى توعية المجتمع عموماً وأسر ذوي الإعاقة خصوصاً بحقوق أبنائهم وواجباتهم، وأمثل الطرق للتعامل معهم، إلى جانب توفير التعليم المتميز الذي يضمن لهم مستقبلاً تحقيق تطلعاتهم، ويسهم في تحسين تكافؤ الفرص أمامهم مع بقية أفراد المجتمع، إضافة إلى التعاون مع العديد من الجهات الحكومية والأهلية؛ لتأهيل ذوي الإعاقة الفكرية لسوق العمل والمساهمة في توظيفهم.
وتعمل وزارة التعليم على إعداد كوادر بشرية قادرة على التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتقديم الخدمات المساندة والملائمة لهم بكل كفاءة، وذلك من خلال تدريبهم وتأهيلهم وفق أحدث التوجهات العلمية في هذا المجال، إلى جانب فتح آفاق التعاون مع الجهات الإقليمية والدولية ذات العلاقة؛ لتكون البرامج الخاصة بذوي الإعاقة بمثابة مرجعية علمية في مجال تعليم وتدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة والعاملين معهم، إضافة إلى إصدار الوزارة لعدد من الأدلة الداعمة لعمليات التعلّم عن بُعد.
متحدث التعليم لـ (البلاد):
خدمة ذوي الإعاقة وفق أنماط تناسب قدراتهم
أكد المتحدث الرسمي باسم التعليم العام ابتسام الشهري أن الطلبة من ذوي الإعاقة يحظون بعناية ودعم القيادة الرشيدة -أيدها الله-، واهتمام دائم من وزارة التعليم، وذلك بتوفير كافة التجهيزات الفنية والبشرية والوسائل المعينة لاستمرار حصول هذه الفئة الغالية على حقهم في التعليم، وضمان تحسين نواتج تعلمهم.
وقالت الشهري: يتم العمل في وزارة التعليم بشكل مستمر على التطوير المهني التعليمي لمعلمي التربية الخاصة، من خلال برامج تدريبية متخصصة، وفق التوجهات والمستجدات الحديثة لتعليم الطلبة ذوي الإعاقة سواء حضورياً أو عن بُعد، حيث أن العمل مع ذوي الإعاقة يتطلب وجود معلم قادر على فهم إمكانات الطلاب وطرق التواصل معهم، وتحديد احتياجاتهم، ومن ثم بناء البرامج والخطط التعليمية المناسبة، وهذا الأمر يحتاج إلى تطوير قدرات المعلمين وتدريبهم في جميع الجوانب الأكاديمية والنفسية وطرق التشخيص للتعامل مع الطلبة ذوي الإعاقة، موضحة أنه تم تدريب معلمي ومعلمات ومشرفي ومشرفات التربية الخاصة على الأدلة المرجعية للتربية الخاصة، ومناهج التربية الفكرية الجديدة، والتدريب على التدريس في منصة مدرستي، وغيرها من البرامج التدريبية.
وأضافت: “حرصت وزارة التعليم على تقديم التعليم لجميع الطلاب والطالبات ذوي الإعاقة باختلاف مراحل تعليمهم، حيث يتم تحديد المكان التربوي المناسب لكل طالب بناء على قدراته واحتياجاته، فيمكن دمج الطلاب ذوي الإعاقة داخل المدرسة العادية سواءً كان هذا الدمح مكانياً في فصول خاصة داخل المدرسة، أو حتى كلياً داخل الصف العادي مع تقديم الخدمات المساندة”، مشيرةً إلى أن هناك فئات من ذوي الإعاقة تحتاج خدمات أخرى إضافية لا يمكن تقديمها داخل المدرسة العادية، ويكون تعليمهم في مراكز متخصصة، ويمكن أن يتم من خلال الخطة الانتقالية دمجهم في مدارس التعليم العام.
وأوضحت الشهري أن الوزارة تقدم التعليم للطلبة ذوي الإعاقة وفق أنماط مختلفة لضمان وصول جميع الطلبة ذوي الإعاقة إلى التعليم والتدريب والتأهيل وفق احتياجاتهم وقدراتهم، إضافة إلى الخدمات المساندة الداعمة والخدمات الانتقالية التي تهيئهم للاندماج في التعليم والمجتمع، من خلال دمج كلي في فصول التعليم العام الذي تكون عبر دراسة الطلاب من ذوي الإعاقة في فصول التعليم العام مع أقرانهم.