أعتبر نفسي من المحظوظين جدا، أنني عشت حياة موسيقية مترفة بين دور الأوبرا العالمية والعربية، وعشت حياة تغلف كياني وبدني ووجداني بالموسيقى والأصوات البشرية الأوبرالية والطربية والحماسية والرومانسية، بكل شدوها وتأثيرها العميق على نفسي وعقلي، وتجعلني في أحسن حالاتي لتحقيق ذاتي.
وأنا أجوب العالم، أتيحت لي فرصة لحضور عروض الأوبرا العالمية، واستمتعت بسماع أوركسترات متعددة وهي تعزف السيمفونيات العالمية، وشاهدت الإستعراضات الموسيقية ورقصات الشعوب الفلولكلورية، وحضور المسرحيات الموسيقية لفيروز والرحبانية وغيرها كثير.
ولكن مهما “رحت وجيت” كما يقولون، فإنني أطرب لموسيقانا الشرقية الخالدة لعمالقة الطرب قديما وحديثا،
وبعد كل حفلة أحضرها، كنت أحلم أن يكون لدينا في السعودية دارا للأوبرا ومعاهد موسيقية وأوركسترا سعودية، واحتفالات ومهرجانات استعراضية وفنية.
وأخيرا، تحقق الحلم، وشاهدت الاحتفالات الموسيقية والاستعراضية العالمية والعربية والمحلية، على أرض وطني وعلى ارقى المستويات الفخيمة، إنها نقلة حضارية عظيمة في حياة جيلي والأجيال القادمة، أن نعاصر هذه الطفرة التي تشبع الروح والنفس والوجدان وترقى بالذائقة الشعبية إلى مراتب عليا.
بالامس شاهدت تلفزيونيا، حفلا راقيا للفنان عمر خيرت في مدينة العلا، تصاحبه أوركسترا ضخمة، وكنت أتابع الأوركسترا وقائدها بكل دقائقها وتفاصيلها وسكناتها وهمساتها، حيث أنني مغرم منذ الصغر بقيادة الأوركسترا، لذلك تشكلت وتأثرت ثقافتي ومهاراتي الإدارية من وحي عازفي الأوركسترا وقادتها، من حيث الاحترام والانضباط والتعامل مع التفاصيل، وإجادة العمل كفريق واحد متفاعل ومتكامل في إنتاج النغمات وعزف الجمل الموسيقية وأدائها زمنيا وبتراتبية مدروسة وأدركت أن كل قائد له بصمته وشخصيته التي يفرضها على العازفين وجمهور المسرح الحاضرين، ومن حسن الحظ أن العالم العربي، ومصر بالذات، تذخر بقادة أوركسترا عالميين.
ويأتي اسم المايسترو سليم سحاب على رأس قائمة المبدعين من قادة الأوركسترا، إنه متفرد يأسرك وأنت تشاهده يتمايل ويوجه بعصاته العازفين، ويشعل حماسهم ويحفزهم بتعابير وجهه وحركات يديه وهي تشير في كل اتجاه، ولا يستثني من ذلك الجمهور حيث بإشاراته يطلب منهم الهدوء والإنصات، أو حتى متى يصفقون.
المايسترو سليم سحاب، لديه كاريزما طاغية وهو يقف على المسرح أمام وبين جوقته، ليس ذلك فحسب بل قدرته على اكتشاف المواهب الصغيرة من كورال الأطفال وتدريبهم وصناعة نجوميتهم، إلى جانب أنه حافظ على إحياء موسيقي التراث العربي طوال مسيرته الفنية، إنه قامة وقيمة نتعلم منها الكثير ونستمتع بقيادته للأوركسترا، بل يجب أن نراه ونستفيد من خبراته على مسارحنا، في بناء الكوادر الموسيقية بجميع أعمارها، ونحن في عهد النهضة الشاملة للفنون والموسيقي.