قبل فترة قصيرة التقيت بأحد الزملاء الذين يتوكلون في الترافع في بعض القضايا، ودار بيننا حديث حول صدور نظام الإثبات وأبرز المواد التي تطرق لها، الغريب في اللقاء أنني صُدمت برأي الزميل حول هذا النظام، فمع استرسالي للحديث بشغف حول النظام ومواده إلا أنه قابلني ببرود عجيب، وأعقبه بعبارة (كلنا نعرف كيف نثبت حقنا)، في الحقيقة لو كانت هذه العبارة من غيره لقلت إنه ليس له علاقة بالمحاكم أو القضايا والترافع، ولكن أن يكون الرد بهذه الطريقة من شخص كثير التردد على المحاكم فهو أحد أمرين: إما أنه لم يطلع على النظام أبداً، أو أنه اطلع عليه ولم يفهم منه شيئاً،
وبعيداً عن هذا كله فإن غالبية مواد النظام ليست بجديدة على المطلع على أنظمة المرافعات الشرعية والتجارية، فقد ورد في نظام المرافعات الشرعية في الباب التاسع وفي نظام المحاكم التجارية في الباب السابع العديد من طرق الإثبات وإجراءاتها، وبالنظر إلى نظام الإثبات نجد أنه قُسّم إلى أحد عشر باباً مقسمة على فصول ومبثوثة في عدد من المواد وصلت إلى مائة وواحد وثلاثين مادةً تضمنت الأحكام العامة والاقرار واستجواب الخصوم والكتابة والدليل الرقمي والشهادة والقرائن وحجية الأمر المقضي به والعرف واليمين والمعاينة والخبرة والأحكام الختامية، وبالنظر تفصيلاً إلى النظام نجد أنه أحدث نقلة نوعية هائلة في الإثبات باعتبار الوسائل الرقمي أدلة يمكن الاستناد عليها بذاتها بعد أن كانت في نطاق القرائن التي لابد وأن تحتفي بغيرها لتصل إلى درجة الدليل، فقد عرّف النظام الدليل الرقمي بأنه كل دليل مستمد من أي بيانات تنشأ أو تصدر أو تستلم أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية، وتكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بطريقة يمكن فهمها، كما يشتمل الدليل الرقمي على السجل والمحرر والتوقيع والوسائط ووسائل الاتصال والمراسلات الرقمية وأي دليل رقمي آخر، فإذا قدّم أحد أطراف الدعوى دليلاً رقمياً مستوفياً للشروط المنصوص عليها في النظام، فإن على من يدعي عدم صحة الدليل إثبات ذلك وإلا كان الدليل قاطعاً في النزاع، وفي الحقيقة أن إقرار هذا الدليل يعد تطوراً ومواكبةً للتقدم التقني والعلمي الهائل، ومزامنة مع التعاملات التجارية الرقمية، وكل ذلك خدمة للمستهلك والتاجر وكل من يمارس التجارة الرقمية سواء كانت بصورة مدنية أو تجارية، وهذا نظام من عدة أنظمة سابقة ولاحقة تضع المملكة العربية السعودية في أوائل الدول صاحبة التشريعات النظامية الواضحة والتي تحفظ حقوق الأفراد في شتى مناحي حياتهم.
dralsaadlaw@gmail.com