البلاد ــ مها العواودة
فوبيا الزواج .. أو العزوف المتعمد من بعض الشباب عن إكمال نصف الدين تحت حجج وذرائع متعددة، لا يعتبر ظاهرة ولكن هناك بعض الشباب يؤخرون الارتباط بالنصف الآخر تحت مبررات واهية، فأصحاب النظرية يرون أن الزواج حجر عثرة أمام الطموحات ومسؤوليات كبيرة لم يحن وقتها بعد.
وعلى ذلك تتمدد حالات العزوبية بين الشبان والشابات، كما أن بعضهم يهاب التجربة مخافة الضغوط النفسية، والبعض يروج أن الزواج يعيق ويعطل مسيرة النجاح وآفاق المستقبل. أما البعض الآخر فيعتبر الزواج حابسا عن لقاء الاصدقاء والسفر، وكل هذه مبررات غير موضوعية وفقا للمختصين، والذين أكدوا أن الأسباب التي تجعل بعض الشباب يعزفون عن الزواج، منها مشاعر الخوف والقلق من فكرة الارتباط، ما يؤدي إلى شروعهم في هذه الخطوة في سن متأخرة، أما البعض فيختار التخلي تماماً عن هذا الحلم، بسبب ما سيطر عليه من أحاسيس سلبية، لسنين طويلة، عند التفكير بهذا الموضوع، حتى صرف نظره عن كل المسألة، ومنهم من تملكته حالة “فوبيا الزواج “، إلى أن وجد نفسه قادراً على خطوة الخطبة، ثم تقاعس عن إكمال الخطوات، فانفصل عن الشريك في منتصف المشوار المؤدي في نهايته إلى الزواج، وربما تكررت معه هذه التجربة لأكثر من مرة حتى انتهت دائماً بزوبعة الانفصال الذي يسبق الزواج.
وأضافوا أن هناك جهودا حكومية مميزة من أجل تحسين مستوى الخدمات التي تساهم في استقرار الأسرة لتتواءم مع رؤية المملكة 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية، وكان من أهمها مجلس شؤون الأسرة؛ الذي يهتم بكبار السن والطفولة والمرأة، ويعمل به العديد من المختصين وذوي الكفاءات .
“م. س” ثلاثيني يؤكد أن سبب عزوفه عن الزواج يرجع إلى خوفه من “التحقيق” المستمر من قبل الزوجة الذي يسمع عنه من قبل أقربائه وتجربة بعض أصدقائه المتزوجين “وين خارج.. متى راجع .. لماذا تأخرت.. لا تسافر لوحدك “، فضلا عن ارتفاع تكاليف الزواج التي باتت شبحا يطارد الكثير من الشباب.
في حين يرجع الشاب “م. م” تأخر زواجه إلى عدة أسباب أبرزها قصص زواج فاشلة وقعت في عائلته فضلا عن المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق الرجل بعد الزواج ويقول ” أفكر في الزواج ولكن خائف من التجربة ،وتابع ” ليس فقط الواقع ما يقول ذلك أيضا ارى عدة صور للزواج في المسلسلات أبرزها الفشل.
في حين اكتفت ” ن. م ” بالرد على سبب عدم زواجها رغم تخطيها ٢٧ عاما بأن الزواج مسؤولية.
بينما ” ح.ش ” تقول إنها غير مهيئة نفسيا بعد لدخول عش الزوجية .. وأن المقبل على الزواج لابد ان تكون لديه رغبة حقيقية في تكوين الأسرة وإلا سيكون مصير زواجه الفشل.
قيم رأسمالية
في هذا السياق ترى الدكتورة رجاء طه القحطاني من قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الملك عبدالعزيز أن تأخر الزواج أو العزوف عنه أصبح ظاهرة اجتماعية لدى الجنسين ولا يمكن تفسير الظاهرة الاجتماعية إلا من خلال الظواهر الاجتماعية الأخرى كما أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة في المجتمع تشمل النسق الأسري والاتجاه نحو الزواج ليتشكل وفقاً لظروف الفترة الزمنية الحالية.
وتشير إلى أن الظواهر الاقتصادية تعد من أبرز المؤثرات في الاتجاه نحو الزواج كما أنه في الناحية الثقافية هناك انتشار عالمي للقيم الرأسمالية التي تمجد قيم الفردية والإنجاز الفردي وبناء الثروات والمكانة الاقتصادية للفرد مما عزز من توجه الشباب نحو النجاح المهني وبناء الثروات والاستهلاك التفاخري والنظر للزواج ومسؤولياته المالية كعقبة في وجه النجاح الشخصي وترى أن هذه القيم الرأسمالية أثرت في معايير الاختيار للزواج فنرى المكانة الاقتصادية للزوجين أصبحت تحتل الأولوية.
وتابعت” ومن التغيرات القيمية أيضاً تناقض معايير الاختيار للزواج لدى كل من الجنسين، فبينما أصبحت المرأة الشابة تشارك الشاب قيم الفردية والسعي للنجاح التعليمي والمهني نجد الشاب مازال حائراً بين صورة المرأة التقليدية وصورة المرأة الحديثة التي يصعب أحياناً الموازنة بينهما وما ينشأ عن ذلك من صراعات، وأخيراً لا ننسى أهمية القيم الدينية ودورها في الترغيب في الزواج وبناء الأسرة التي تحقق السكينة والمودة والرحمة وتعمير الأرض بالذرية الصالحة وأهمية دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية في تعزيز الرؤية الدينية للزواج لدى شبابنا لمواجهة القيم المادية الحديثة المعززة للفردية ومظاهرها المتعددة”.
ثقافة الإنسان
المستشار الأسري الشيخ احمد حمودة قال: إن ثقافة الإنسان هي مصدر آرائءه وبقدر ما يرتبط الإنسان بالفطرة التي فطره الله عليها وبقدر صيانته لها بقدر ما تكون قراراته وميوله على نحو سنن الله تعالى والنظام الكوني الذي أوجد الله الناس عليه وميل الإنسان للارتباط بالأنثى ميل فطري لما يترتب عليه من مصالح دينية ودنيوية جسدية وصحية واقتصادية”. ويرى أن تغير هذه المنظومة نابع عن تغير ثقافة الإنسان بسبب العوامل الخارجية كوسائل الاعلام وما يتبعها من دراما ومسلسلات وثقافات مكتسبة بسبب السفر أو بعض العلاقات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي ولذلك يجب على الإنسان أن يصون فطرته ويعود إلى أصله وطبيعته التي اوجده الله عليها وفطره عليها.
مؤكدا أن ميل الإنسان إلى الأنثى جمال وفكرة وطبيعة لذلك قال صلى الله عليه وسلم “حبب الي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة” وفي القرآن الكريم ذكر سبحانه وتعالى أن جعل للانبياء أزواج وذرية.
تكاليف الزواج
بدورها اعتبرت الدكتورة عبير خياط أستاذ مشارك بجامعة الملك عبد العزيز واستشاري نفسي اكلينيكي مختصة في تعديل السلوك والعلاج النفسي وجود عدة اسباب لرفض الشباب للزواج، منها اقتصادية ترتكز على تكاليف الزواج اولا فكثير من الشباب يشعرون بالخوف من الالتزام بالواجبات والتزامات، ولهذا السبب فإنّ الكثير من الأشخاص يشعرون بالخوف من هذا النوع من الالتزام، والبعض يرون أنه تقليص للحرية.
واضافت “هناك تغيير في نظرة الشباب لكثير من الأمور فالطموح والتخطيط للمستقبل ويفضل ان يبني نفسه مادياً ومعنوياً فنرى حياتهم مليئة بالالتزامات المهنية كذلك أصبحت المرأة في عصرنا الحالي تتمتع بالعديد من الحقوق والميّزات، حيث اصبح هاجس بعض الشباب استكمال تعليمه، والحصول على الشهادات العليا، كما أنّ معظم الفتيات يفضلن تأمين أنفسهن قبل الزواج .
فضلا عن التكاليف الباهظة للزواج حيث أولت الجمعيات اهتمامها لدعم الشباب المقبلين على الزواج لكن تظل الاسباب النفسية ايضا لها دور في عزوف بعض الشباب عن الزواج.
الحياة الزوجية
المستشار الأسري والتربوي والاجتماعي الدكتور احمد المسند أرجع أسباب عزوف الشباب عن الزواج إلى عدم التأهيل الجيد حيث لا يعرف الزوج أو الزوجة ماهي الحقوق والواجبات وكذلك عدم رسم الصورة الصحيحة للزواج الأمر الذي يؤدي إلى حدوث صراعات ومشاكل داخل الأسرة الصغيرة في أيامها الأولى ما أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق ،مؤكدا أن كثيراً من الآباء والأمهات يزجون بأبنائهم إلى قفص الزواج دون تأهيلهم وتعليمهم الواجبات والحقوق فتحدث انتكاسة من قبل الزوج أو الزوجة ،لافتا إلى أن الحياة الزوجية حياة تكامل يلزمها التأهيل.
كما تحدث عن سبب آخر وهو أن عدد كبير من الأشخاص الذين فشلوا في الزواج ينشرون ثقافة لا تتزوج.. الزواج يقيد حياتك.. وهو حقيقة يعكس تجربته الخاصة الفاشلة فضلا عن ذلك ارتفاع السقف المادي والطلبات والضغط المادي على الاسرة.
الإحساس بالمسؤولية
المستشارة الأسرية الزوجية التربوية الدكتورة بثينة باعباد أشارت إلى بعض الأسباب التي تجعل الشباب يخافون من الزواج ويصبح سيناريو الارتباط بالنسبة لهم بمثابة فوبيا، منها – التكاليف المالية – المصروفات المالية المستقبلية – متغيرات الحياة السريعة – مفاهيم الزواج لدى الفتيات والشباب – احساس المسؤولية لدى الطرفين
– الملل من روتين الحياة الزوجية ، القناعة بالطرف الآخر الانجاب ومسؤولية التربية ، الحياة الأسرية التي عاشها وتأثيرها عليه ، بحثه عن شبيهة والدته. فضلا عن وجود أسباب اقتصادية او نفسية.
وحول جمعيات مساعدة الشباب على الزواج التي تساهم بصورة كبيرة في تأهيل العرسان ماديا ونفسيا وتدريبهم على مواجهة ظروف الحياة ودورها في تفعيل برامج حث الشباب على اكمال نصف دينهم قالت: “من الجميل في الجمعيات تقديمها المساعدات المالية والدورات التأهيلية للفتيات والشباب للتأهيل لكيفية بناء أسر مستقرة”.
مؤكدة أنها جهة تعطي الضوء لتوجيه الشباب لتكوين حياة مستقرة بأيسر الطرق دون ضغط مالي او نفسي.
وايضا تعتبر مرجعية لهؤلاء الشباب والفتيات في مساعدتهم على حل مشاكلهم التي تحدث في بداية حياتهم الزوجية من خلال مستشارين متخصصين والاجمل استمرار سلسة التوعية للمتزوجين من خلال دورات خاصة حيث يمكن أن تستمر الدورات في التربية لتساهم في مساعدة الزوجين على تربية ابنائهم بشكل سوي وترى أن كل ذلك ينصب في تكون أسرة متزنة مستقرة تبني مجتمعا واعيا متطورا بأفراده.
أساليب العلاج
اللجوء إلى المختصين الأسريين والنفسانيين عامل مهم، ويساعد على تقبل فكرة الزواج، إضافة إلى أنَّه يساعد على تحديد العلامات التحذيريَّة لتجنب النزاعات المستقبليَّة.
فضلا عن التعرُّف على طبيعة الزواج بشكل واقعي فالزواج اتفاق بين اثنين على مشاركة كل اللحظات والمسؤوليات، الطموح، الإمكانات، التحدِّيات التي تواجههما في كل لحظات الحياة.
إلى جانب التخطيط للحياة والمسؤوليات بشكل دقيق وهو أحد الحلول الفعَّالة، فكلما اتضحت المسؤوليات والواجبات والحقوق قبل الزواج؛ قلت احتماليَّة الإصابة بالخوف من خوض التجربة.
إلى جانب مشاركة المخاوف مع الشريك إنَّ فترة ما قبل الزواج تحتاج إلى مهارة التواصل، وذلك لتقوية العلاقة بالشريك، فعند الحديث مع شريك المستقبل عن الأطفال والعمل والأمور الماديَّة وأي قضيَّة أخرى قد تواجههما تيؤدي إلى ذبول تلك المخاوف وتبدُّدها.