أبها ـ البلاد
ضمن ريف جبلي واسع يكسوه الرداء الأخضر متعدد التضاريس ، يجذب آلاف الزوار في فصل الشتاء بسبب اعتدال درجات الحرارة في أشهر نوفمبر وديسمبر ويناير وفبراير، إضافة إلى عراقة المكان تاريخياً ،إنه مركز”قنا” الذي يقع جنوب غرب المملكة والتابع إدارياً لمحافظة محايل عسير الذي شهد على مدى تسعة عقود (1346هـ ــ 1443هـ) تحولات حضارية كبيرة، حيث تبين الوثائق التاريخية أنه تم إنشاء ما سمى “مركز إمارة قنا عام 1346 هـ” أي بعد انضمام منطقة عسير للدولة السعودية الثالثة عام 1338 هـ بثماني سنوات.
ويشير عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد الدكتور عبدالرحمن المحسني إلى أن اسم “قنا” ورد في مصادر تاريخية عديدة منها ما أورده الهمداني في صفة جزيرة العرب وعند أبي عبيد البكري المتوفي سنة 487 هـ في كتابه “معجم ما استعجم” نقلاً عن أبي عمرو الشيباني الذي قال “وقنا جبل لبني مرة من فزارة” وذكرها الفيروزآبادي المتوفى 817هـ في القاموس المحيط .
وأبان المحسني أن “قنا” تحتوي على بعض الآثار والنقوش التي تحتاج دراسة إضافة إلى بعض الوسوم القبيلة، منها نقوش تسمى بـ(امدمون) وهي تقع في قرية تسمى (آل ثوبان) كذلك آثار (قرية الحثام) ، وبنظرة أولى نستطيع أن نلاحظ اختلاف هذه النقوش في شكلها ونحتها عن تلك النقوش الموجودة في (امدمون) في قرية آل ثوبان ، وربما يرتبط ذلك بتاريخ كتابة هذه النقوش أو طبيعة السكان الذين نزلوا في هذا المكان وبالنظر إلى هذه النقوش نرى أنها أقرب في تشكلاتها إلى النقش الثمودي . وأضاف الدكتور المحسني من أبرز الآثار كذلك قصر (ابرامزليل) الذي يقدر عمره بأكثر من ثلاثمائة سنة، وهو يحاكي البناء التراثي الذي عليه معظم الأبنية السكنية في ” قنا”، لكنه بالطبع أكثرها شهرة وأكبرها حجماً، ويرتبط بشخصية علي أحمد ابر امز ليل الذي ذاعت شهرته في قنا وخارجها . واسم القصر يتكون من شقين هما ” أبر” وهي ” ابن” و ” امزليل” فـ”ام” هنا هي بمعنى ” الـ” والكنية وأداة التعريف هي لهجة عربية قديمة في جنوب الجزيرة العربية.
تجمّع سكاني
يبلغ عدد السكان المقيمين إقامة دائمة حوالي 28 ألف نسمة بينما يبلغ العدد الحقيقي لمنتمي المركز قرابة 50 ألف نسمة مضافاً إليه من اضطرتهم الحياة للانتقال هجرة مؤقتة أو دائمة، وكل المؤشرات الحالية تدل على انخفاض حادّ في الهجرة وأن الهجرة العكسية لسكان المركز محتملة عطفاً على تزايد فرص العمل في المنطقة الجنوبية وعلى النقلة الجيدة في الخدمات الداخلية.
ويشير إصدار توثيقي للمركز البلدي إلى أن ” قنا” عرفت منذ القدم بكونها موقعاً لتجمعات سكانية كثيفة دلّت عليها البيوت الحجرية المهجورة في سفوح وصدور وأعالي الجبال، إضافة إلى انتشار المدافن القديمة على ضفاف الأودية والشعاب والساحات التي ظهرت لحودها العميقة بعد مئات السنين من انجراف التربة.
وتحتوي “قنا” على حصون كثيرة تهدمت مع مرور الزمن ومدرجات زراعية ذات جدر استنادية عتيقة لم تتغير تركيبتها الديمغرافية وتم إعادة تأهيل الكثير منها.
وكغيرها من مراكز ومحافظات منطقة عسير، تضم “قنا” متنزهات طبيعية تتميز بتنوع نباتاتها وحيواناتها وطيورها التي تعيش في ضاف الأودية وأعالي الجبال، ومن أبرز تلك المتنزهات “وادي حوية” الذي يمتد من بلاد “آل مهمال” في محافظة رجال ألمع ويتجه من الشرق في قنا إلى الوسط ويلتقي بوادي “لتين” ثم وادي “الخب” ثم “الحازم”.
كذلك تبرز متنزهات “الخب ورعلة ” وهي أودية تتقاطع وتتوازى مع طريق قنا – محايل وهي أوسع وأكبر متنزهات قنا الطبيعية، أما وادي”الحازم” فتلتقي فيه كل أودية قنا وهو بداية وادي قنا الذي يلتقي بوادي حلي ويصب في البحر الأحمر يعتبر من أغني الأودية بالمياه وهو أفضل موقع للنحالين بسبب كثرة وتنوع الأشجار، كذلك متنزه”أهدية لتين” وهو أشهر متنزهات قرى” لتين” الجبلية المهجورة.
ويؤكّد عضو المجلس البلدي بـ”قنا” عبدالرحمن الثوباني أن أهالي المركز يطمحون إلى استغلال جبال المركز الجميلة والشاهقة في دعم مقومات الاستثمار في قنا سياحياً وزراعياً وأن تكون فيها محميات مسورة ومراقبة بالكاميرات وتخصيص أماكن للنحالين، واستثمار المتنزهات الطبيعية فيها وأن يعاد للمحميات حياتها الفطرية ويستحيا فيها الماعز الجبلي والوعول وغيرها من الكائنات الجبلية، مع إقامة تظاهرة رياضية موسمية في تحديات تسلق الجبال.
النشاط الأبرز
المنظر الجوي لمركز قنا يعطي الانطباع بأن” قنا” زراعية بالدرجة الأولى ، حيث تبلغ الأراضي الزراعية نسبة عالية جداً من مجمل المساحة ، حيث تشتهر هذه المواقع منذ القدم بزراعة الذرة بأنواعها والدخن والسمسم وبعض الخضروات مثل الطماطم والبامية والكثير من الفاكهة والخضروات التي عرفها الأجداد وتعتبر قنا من المراكز ذات الفرص العالية لصغار المستثمرين في مجال المواشي وتربية النحل حيث يقدر عدد النحالين في “قنا” بأكثر من 1500 نحال.
وبحسب إحصاءات تقديرية نشرها المجلس البلدي في قنا، يقدر عدد المزارع المستفيدة من الخدمات الحكومية 549 مزرعة مروية و 6513 مزرعة بعلية.
أما تربية المواشي فقد عرفت “قنا” بأنها موقع مهم لبيع وشراء الأغنام والماعز والأبقار والإبل حيث يقدر عدد مربي الماشية بـ( 8200 ) يملكون حوالي ( 76800 ) رأس من الأغنام و(205900) رأس من الماعز وأكثر من 1000 رأس من الأبقار ، أما الإبل فيقدر عددها بـأكثر من 4500 رأس .
ويشير الثوباني إلى أنه توجد في “قنا” مدرجات زراعية تحتاج لإعادة تأهيلها ثم زراعتها بأشجار البن والفواكه التي تتناسب مع مناخ هذه المواقع وللاستفادة منها بشكل كبير لأن الجدوى عالية، حيث نجح عدد من المزارعين في زراعة بعض الفاكهة مثل المانجو والموز وأنواع الحمضيات وكانت تجربتهم نموذجية .
واقترح الثوباني استحداث مهرجانات تعنى بمواسم حصاد الذرة والسمسم وجني العسل، وهو ما سيسهم في خلق فرص للمشروعات الصغيرة ذات الجدوى الاقتصادية، كذلك ستنعش هذه الفعاليات سوق الاثنين الشعبي ويدفع إلى إحياء سوق الليل المندثر في شمال المركز في “رعلة” .
يذكر أن “قنا” تضمّ خدمات تعليمية وصحية من أبرزها 14 مدرسة بنين ابتدائي و7 مدارس بنين متوسط و4 مدارس بنين ثانوي ، أما مدارس البنات فتبلغ 17 مدرسة بنات للمرحلة الابتدائية و8 مدارس رياض أطفال و5 مدارس بنات متوسط و4 مدارس بنات ثانوي و 8 مدارس للطفولة المبكرة. أما الخدمات الصحية فتمثلها 3 مراكز صحية موزعة على عدة مواقع في “قنا” و”لتين” و”إخلال” وهناك مركز طوارئ في طور التشغيل.