اللغة العربية من أهم وأقدم اللغات الإنسانية على مر العصور فهي لغة القرآن المحكم، والشرع الرباني الأعظم، ولغة النبي الخاتم الذي بُعِثَ رحمة للعالمين، بلسان عربي مبين. هذه اللغة التي كان بها الإعجاز، ولها كثير من الإنجاز الحضاري والمعرفي وهي إحدى ركائز التنوُّع الثقافي للبشرية على وجه الأرض، وأكثر اللغات انتشاراً واستعمالاً في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من مليار شخص على وجه الأرض.
ويحتفل العالم في ال18 ديسمبر من كل عام في بـاليوم العالمي للغة العربية وهو اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها بإدخال اللغة العربية، ضمن اللغات الرسمية عام 1973، عقب مبادرة قدمتها المملكة العربية السعودية والمغرب لإدراج اللغة العربية في اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، ليصبح يوماً رسمياً من أيام الإمم المتحدة يحتفل به تعزيزًا لمكانتها السامية.
لقد أولت المملكة العربية السعودية أهمية خاصة للعناية باللغة العربية والمحافظة عليها، وأخذت على عاتقها مهمة النهوض بلغة الضاد وحمايتها من خلال استراتيجية عمل متكاملة، حيث يتجسد ذلك في المادة الأولي من دستورها الذي نص علي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، كما عززت (رؤية المملكة 2030) هذا الاهتمام حينما تضمّنت إشارة مباشرة إلى ضرورة العناية باللغة العربية بوصفها جزءاً أساسياً من مكوّنات الهوية الوطنية السعودية.
ويتجلي اهتمام قيادة المملكة الحكيمة في حديث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (حفظه الله) حينما قال: (بلادنا المملكة العربية السعودية دولة عربية أصيلة، جعلت اللغة العربية أساسًا لأنظمتها جميعًا، وهي تؤسس تعليمها على هذه اللغة الشريفة، وتدعم حضورها في مختلف المجالات، وقد تأسّست الكليات والأقسام والمعاهد وكراسي البحث في داخل المملكة وخارجها لدعم اللغة العربية وتعليمها وتعلمها)..ولذلك كان التوجيه والتوجه للاهتمام باللغة العربية داخل وخارج المملكة، وتعزيز مكانتها وتفعيل دورها إقليمياً وعالمياً، وإبراز دورها الحضاري والإنساني، وأهميتها وعمقها للثقافة العالمية بما يسهم في تعزيز التقارب الإنساني بين الشعوب.
فالمملكة حرصت على تعليم اللغة العربية من خلال تعديل وتطوير المناهج الدراسية وخاصة مناهج اللغة العربية لمختلف المراحل العمرية وإطلاق مشروع تحسين مستوى طلاب التعليم العام في اللغة العربية، وأنشأت كليات متخصصة ومعاهد جامعية لتدريس العربية وتعليمها لغير الناطقين بها؛ حيث تستقبل الألوف من الطلاب الوافدين الراغبين في تعلم اللغة العربية.. وقدمت مشروعات رائدة لخدمة اللغة؛ منها إنشاء (مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية)، وذلك من أجل تحسين أداء اللغة العربية في جميع أنحاء الدول العربية، وكان هذا المركز فكرة الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز إيقاناً منه بأهمية اللغة العربية، وعدة مبادرات؛ منها (مبادرة الملك عبد الله للمُحتوى العربي في الإنترنت).. لمواكبة أفضل وسائل التعليم في العصر الحديث، وهو مشروع لخدمة العربية في الإنترنت تتفرّع عنه فروع؛ منها: (المدونة العربية) و(المعجم الحاسوبي التفاعلي) و(السلسلة العربية لكتب التقنيات)، و(الفهرس العربي الموحد) الذي قامت به مكتبة الملك عبد العزيز، ويُعدّ من أهم مشروعات المكتبات العربية.
وتواصل المملكة جهودها في خدمة اللغة العربية عبر المؤتمرات والندوات ودعم العديد من المعاهد ودعم أقسامها وإيفاد متخصصين لتدريسها، وتَبني الكراسي البحثية، ودعم المشاريع الجديدة لتدريسها في العديد من بلدان العالم.
وتتويجاً لجهود المملكة في خدمة اللغة العربية، أقر مجلس الوزراء إنشاء مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وذلك ضمن المبادرات الثقافية التي تنفذها المملكة؛ للمساهمة في إبراز مكانة اللغة وإثراء المحتوى العربي في مختلف المجالات، و”مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية” يُعد إحدى مبادرات الاستراتيجية الوطنية لوزارة الثقافة وحراكها المُنير، ويهدف إلى أن يصبح مرجعية عالميّة من خلال نشر “اللغة العربية” وحمايتها، ودعم أبحاثها وكتبها المتخصصة، إضافة إلى تصحيح الأخطاء الشائعة في الألفاظ والتراكيب، وإعداد الاختبارات والمعايير لها، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في خدمتها، وصناعة المدوّنات والمعاجم، وإنشاء مراكز لتعليمها، إضافةً إلى إقامة المعارض والمؤتمرات التي تُعنى بها، وترجمة الإنتاجات المعرفية والعالمية.
أخيرا يبقي الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية فرصة ومدعاة لنجدد ونؤكد إعتزازنا بلغتنا ونردد كما قال الشاعر أحمد شوقي مفاخرين:
إن الذي ملأ اللغات محاسنًا .. جعل الجمال وسره في الضاد
وأن نتذكر دائما أن لغتنا هي من صميم هويتنا وجزء أصيل من حصاد أعظم حضارة ..وتستحق منا جميعا تضافر الجهود للنهوض لتبقى لغتنا خالدة في العالمين.
سفير خادم الحرمين الشريفين لدى السودان