جدة – البلاد
تعكس زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة، قوة العلاقات بين البلدين الصديقين على كافة الأصعدة، وحلقة في سلسلة زيارات متبادلة على مستوى القادة، حيث شهدت العلاقات السعودية – الفرنسية نموًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجانبين، كما ارتفعت الاستثمارات الفرنسية في المملكة بشكل كبير منذ عام 2019.
وتقوم العلاقات بين المملكة وفرنسا على مصالح استراتيجية مشتركة، تتمثل في حفظ أمن المنطقة، وبذل جهود مشتركة لمحاربة الإرهاب والتقاء وجهات النظر بشأن الأزمات في المنطقة، كما ترتكز العلاقات السعودية – الفرنسية على استراتيجية مبنية على الثقة، والاحترام المتبادل، وتعميق أواصر التعاون المثمر، للمحافظة على الاستقرار الإقليمي والدولي، وتبادل الرؤى ووجهات النظر، إذ تكتسب أهمية خاصة في ظل تسارع المتغيرات الدولية والإقليمية، لا سيما البعد السياسي؛ ما يتطلب تبادل الآراء وتنسيق المواقف بين المملكة والدول الصديقة من بينها فرنسا التي تتمتع فعلاقات مميزة مع السعودية. وقد أتثبت الأحداث والتطورات في المنطقة عمق العلاقات السعودية – الفرنسية من خلال التشاور المستمر بين قيادتيهما اللتين تعبران عن الارتياح التام، وتطابق وجهات النظر حيال الكثير من القضايا المشتركة والبحث لإيجاد حلول لمستجدات المشكلات في المنطقة.
وتتفق المملكة وفرنسا، حول الكثير من القضايا الإقليمية، واهمها ضرورة إيجاد حل سياسي في اليمن وفق المرجعيات الثلاث، وأهمية ممارسة ضغوط على ميليشيا الحوثي للدخول في مفاوضات جادة مع الحكومة الشرعية، لرفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني التي تسببت بها الميليشيا الانقلابية، كما تتوافق وجهات نظر الجانبين حول العديد من القضايا، ومنها التدخلات الإقليمية بشؤون دول المنطقة، وأهمية بذل الجهود لدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وضرورة العمل المشترك، وتعزيز التواصل والتشاور حيال تلك التحديات، فيما تتوافق وجهات نظر الجانبين السعودي والفرنسي حول العديد من القضايا، ومنها أهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية في لبنان كمطلب دولي لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للبنان بعيدًا عن التدخلات الخارجية وسيطرة حزب الله على البلاد، وأهمية بذل الجهود لدعم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وضرورة العمل المشترك، وتعزيز التواصل والتشاور حيال التحديات.
وفي الجانب الاقتصادي، يمضي التعاون بين البلدين على أفضل حال، إذ شهدت زيارة سمو ولي العهد لفرنسا عام 2018 توقيع 19 بروتوكول اتفاق بين شركات فرنسية وسعودية، بقيمة إجمالية تزيد على 18 مليار دولار، شملت قطاعات صناعية مثل البتروكيميائيات، ومعالجة المياه، إضافة إلى السياحة والثقافة والصحة والزراعة، بينما ارتفع حجم الاستثمارات الفرنسية في المملكة بنسبة 140% خلال عام 2019 مقارنة بالعام 2018، ليصل إلى 23.8 مليار دولار عبر 259 مشروعًا، ما جعل فرنسا تحتل المرتبة الثالثة بين الدول المستثمرة في المملكة.
وتعود العلاقات السعودية – الفرنسية إلى عام 1926 عندما أرسلت فرنسا قنصلا مكلفا بالأعمال الفرنسية لدى المملكة، ثم أنشأت بعثة دبلوماسية في جدة عام 1932م، وتوالت خطوات إرساء العلاقات حيث دخلت مرحلة جديدة ومتميزة عقب زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز لفرنسا عام 1967 ولقائه الرئيس الفرنسي شارل ديجول، ومثلت تلك الزيارة دعما وتطورا مستمرا ليشمل مجالات أرحب بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين. وجرى خلال تلك الفترة المديدة من تاريخ العلاقات تبادل الزيارات بين قيادات البلدين، وكبار المسؤولين فيهما، مما شكلت حلقات في سلسلة توثيق وتطوير العلاقات بين المملكة وفرنسا وتنسيق الجهود بما يعود بالمصالح المشتركة، على المنطقة والشعبين الصديقين.
وفي عام 1986م افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميرا لمنطقة الرياض والرئيس الفرنسي جاك شيراك، معرض المملكة بين الأمس واليوم في باريس تعرف الزائرون من خلاله على ماضي المملكة وتقاليدها وقيمها الدينية والحضارية ونموها الحديث ومنجزاتها العملاقة، وزار الملك سلمان في 29 أبريل 1997م، فرنسا والتقى خلالها الرئيس جاك شيراك، ووقع مع عمدة باريس جان لييري ميثاق تعاون وصداقة بين مدينتي الرياض وباريس، والتقى عددا من كبار المسؤولين الفرنسيين، بينما حصر رئيس فرنسا السابق فرانسوا هولاند افتتاح أعمال الاجتماع التشاوري الـ15 لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج بالرياض في 5 مايو 2015م، حيث دعي للمرة الأولى رئيس دولة أجنبية لحضوره تقديرا من المملكة لفرنسا.