لقد سبق وقيل كل شيء، لكن وبما أنه لا أحد يستمع فعلينا تكرار كل شيء من البداية. (أندريه جيد)..
هناك بعض الأفكار والأطروحات تتوقع مع مرور الزمن أنها اندثرت وتلاشت وأصبح هناك وعيٌ مجتمعيٌ يكفي للتصدي لها وردها، حتى يظهر لنا من يعيد إحياء هذه الأفكار والآراء ولكن في قوالب جديدة وبطرائق مختلفة، ثم نجد خلفه من ينشر هذه الآراء ويدعمها ويبني عليها أحكاماً واتهامات قد تصل بعضها إلى المحاكم استناداً إلى رأي هذا المحنك الذي جرّم أفعالاً لم يجرمها شرع ولا نظام، بل استند فيها إلى قدراته العقلية في استنباط مقصد المنظم من المواد القانونية دون مراعاة للمبادئ الجنائية المستقرة ودون معرفة بأقوال فقهاء القانون في هذا الجانب،
التوسّع في التجريم قضيةٌ كتب في التحذير منها كثير ممن لهم صلة وثيقة بالقانون، رغبة في تحجيمها والتقليل منها لكونها تتعلق بالحقوق والحريات التي حفظها وأكّد عليها الشرع والنظام، وعلى الرغم من كثرة الكتابات والتثقيف بخطورة هذا الأمر إلا أننا نجد أن هناك توسّعا كبيرا في مجال التجريم بما يخالف مقاصد المنظم وأهدافه، فالأنظمة الجنائية وُضعت منعاً للتجاوز على حريات وحقوق النفس والغير ومعاقبةً لمن يخالف ذلك، وليست تقييداً لما يكون في نطاق المباح والمشروع، ولذلك فقد قرر النظام الأساسي للحكم في مادته (38) أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو نظامي، وبالتالي فتجاوز هذا المبدأ وتجريم أفعال وأقوال ليست من الجرائم في شيء هو افتئات على سلطات الدولة وتجريمٌ ليس في محله، بل يعد اعتداءً على حريات الناس وحقوقهم، والأغرب من ذلك أن تصدر مثل هذه الآراء من أهل التخصص، ويكونون هؤلاء من أسباب تردي الثقافة القانونية لدى العامة وذلك باستحداث أفعال وتجريمها وتنزيلها على مواد نظامية بينهما من البعد كما بين المشرق والمغرب، ولذا فإن على العامة التنبه إلى مثل هذه الآراء القانونية الشاذة، وعدم استقاء المعلومات المتعلقة بها إلا من خلال القنوات الرسمية التي وضعتها الدولة، أو من خلال من تثقون منهم في علمه وتمكنه من تخصصه، كما أن على وسائل الإعلام وقنوات التواصل المختلفة ألا تنشر لكل من وسم نفسه بالمستشار القانوني دون أن يكون هناك مراجعة لمثل هذه الآراء قبل صدورها حتى لا تسبب لغطاً لدى الشارع وإشغالاً للمتخصصين للرد على مثل هذه الآراء وتنبيه الناس عليها.