البلاد – مها العواودة
اهتمت الكثير من الدراسات والإحصائيات والحقائق المهمة بالألعاب الإلكترونية، وتأثيراتها المباشرة على سلوك مستخدميها، وفهم آثارها المتفاوتة على فئة الشباب والأطفال والمراهقين، في ظل ما تشهده تلك الألعاب من إقبال كبير من خلال نظامها التفاعلي والتقنية المتطورة المستخدمة في تنفيذها وصناعتها.
واعتاد أغلب تلك الفئات من المجتمع، على ممارسة تلك الألعاب وإعطائها مساحة كبيرة من الوقت، حيث جعلت التعايش معها ومع مراحلها وأطوارها من أهم الأسباب للاستمرار لفترات زمنية طويلة يقضيها معظمهم لتحقيق المطلوب عند كل مستوى يمر عليه، فيما تنوعت ممارسة تلك الألعاب من خلال المنازل، أو عبر أجهزة الهواتف المحمولة، والمواقع والمنصات الإلكترونية الخاصة بها بقصد التسلية والترفيه ، والتواصل مع الآخرين ، والتنافس عبر الأونلاين وما يشكله ذلك من خطرٍ عليهم وإمكانية استغلالهم وبخاصة صغار السن.
وتُشير العديد من الدراسات والإحصائيات إلى أن الإقبال على الألعاب الإلكترونية تضاعف بشكل كبير ولافت خلال السنوات الأخيرة من خلال زيادة نسبة الاشتراكات والحسابات المستخدمة في هذه الألعاب بشكل شهري في ظل مطالبات بضرورة مراقبة صناعة الألعاب الإلكترونية، ومدى ملاءئمتها لهوية الأطفال والمراهقين، وإصدار أدوات وتشريعات الحماية والرقابة على هذه الألعاب، وأهمية الدور الإعلامي في مواجهة مخاطرها وتقنين استخدامها.
كما يُحذر العديد من المختصين في هذا الجانب من التأثير السلبي لاستخدام الألعاب الإلكترونية بصورة ملفتة بين الشباب والأطفال لفترات طويلة يومياً دون شعور أو إدراك منهم أو من أسرهم ، وتأثيرها وانعكاساتها على صحتهم وخطورة ذلك على المدى البعيد.
ظاهرة اجتماعية
في هذا السياق أكدت الدكتورة رجاء طه القحطاني محاضر قسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملك عبدالعزيز أن إدمان الأطفال والمراهقين على الألعاب الالكترونية أصبح ظاهرة اجتماعية عامة يندر أن تخلو أسرة بالمجتمع السعودي منها.
وأوضحت أن الوظيفة الظاهرة لهذه الألعاب هي الترفيه إلا أن لها وظائف كامنة تحتاج للعديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية والطبية للكشف عن آثارها حيث من خلال الملاحظة البسيطة وتحليل ما ينشر في وسائل الإعلام يؤكد أن إدمان هذه الألعاب لم يعد قاصرا على الآثار الصحية المتمثلة في عدم الحركة وتفضيل اللعب في العالم الافتراضي على اللعب والحركة في العالم الواقعي وما يترتب على ذلك من ضعف الصحة العامة أما اجتماعياً ونفسياً فإن تفضيل الصغار للألعاب الالكترونية أخذ يؤثر على بناء شخصياتهم التي أصبحت انعزالية وتفتقد للمهارات الاجتماعية التي لا تتطور إلا من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين خاصة وأن موضوعات الغالبية العظمى من هذه الألعاب تتركز على ألعاب العنف والقتال بالإضافة لتحسين صورة السارق والقاتل ، وتابعت “للأسف ينشر من حين لآخر حوادث انتحار أو محاولات انتحار تنسب للأفكار الهدامة التي تنشرها بعض هذه الألعاب. للأسف نجهل الكثير عن أهداف ومضمون الألعاب الالكترونية ونحتاج بشدة لها دراسات علمية جادة تتضافر فيها الجهود من تخصصات عدة للكشف عن حقيقة الألعاب الألكترونية وما تتضمن من قيم وأفكار ، بالإضافة لتقديم مقترحات بتصنيف متدرج للألعاب الالكترونية من جيد إلى محظور.
داعية وزارة التجارة والجهات الخاصة بالاتصالات الى ضرورة أخذ خطوات عملية حازمة لحجب الألعاب المسيئة والخطيرة على صحة ونفسية الأطفال والمراهقين وتشجيع أي ألعاب تتضمن أهداف تربوية وتعليمية.
متابعة ومراقبة
الهنوف اليماني مستشارة اسرية ومدربة تنمية بشرية دعت إلى ضرورة إقران جهاز الطفل بجهاز أحد الوالدين ليكون بمقدورهم متابعة ومراقبة والإطلاع على كل ما يقوم به الطفل من بحث ومتابعة ولعب مؤكدة في الوقت ذاته على أهمية حظر كل الالعاب التي تشكل خطرا على الأطفال من أجهزتهم ومراقبتهم جيدا.
ثقافة الطفل
بدوره أشار الخبير التربوي الدكتور محمد عبد العزيز ان الألعاب الإلكترونية أصبحت جزءاً من ثقافة الطفل حاليا مؤكدا ضرورة الحذر من الألعاب المجانية التي تكون -بدون مقابل مادي-، لافتا إلى أن الأطفال في مراحل الطفولة المبكرة يكون لديهم رغبة جامحة في التعامل معها محذرا في الوقت ذاته من إهمال الوالدين لأطفالهم أو تركهم مع الأجهزة الإلكترونية لوحدهم للتخلص من مشاغبتهم في البيت وان الخطورة تكمن في تكرار هذا التصرف الخطير حيث يبدأ الطفل بالتوحد مع اللعبة وتقمصه إحدى الشخصيات التي قد تكون خطيرة وذات تصرفات سيئة.
داعيا إلى ضرورة وضع جدول زمني للأطفال لمشاهدة الأجهزة الالكترونية لا تزيد الحصة عن نصف ساعة وبحضور الأب أو الأم والذي يفترض أن يكونا لديهم اطلاع مسبق على اللعبة أو المحتوى الذي سيشاهده الطفل من أجل حمايتهم.
ويرى في الوقت ذاته أن هذه الألعاب تأخذ مجهودا كبيرا من الشركات المنتجة ويكون الهدف منها التجارة “البزنس” حيث تبدأ مجانية وتصل عند مستويات معينة لتبدأ الطلب من المشاهد دفع مقابل مادي مع ضرورة عدم تجاهل الغزو الفكري من خلال هذه الألعاب. ويرى ضرورة اهتمام الاباء والامهات والمعلمين وكل من له دور في تنشئة الطفل وتربيته في رفع ثقافة الطفل وتنبيهه من أن مايشاهده غير حقيقي منعا لاندماجه مع المحتوى.
طفولة سليمة
المستشارة الأسرية شيماء جيلاني قالت إن مرحلة الطفولة المبكرة تعتبر من أهم المراحل في عمر الانسان، ويقع على عاتق الوالدين أدوار يجب عليهم القيام بها حتى يحظى الطفل بطفولة سليمة، ومع انتشار الالعاب الالكترونية يجد الوالدان صعوبة في متابعة الالعاب التي يلعبها الطفل، وتقنين الوقت الذي يجلس فيه على الاجهزة ،اضافة الى جهل البعض بمخاطر الاجهزة والالعاب على الطفل وعلى نموه النفسي والاجتماعي ،على الرغم من ايجابيات الالعاب الالكترونية الا ان لها سلبيات لا يمكن تجاهلها. لافتة الى ان وزارة الصحة ذكرت على موقعها بأن الوقت المسموح به للجلوس أمام الشاشة سواء التلفاز أو الاجهزة الذكية حيث توصي الأكادمية الأمريكية لطب الاطفال بأن الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة لا يزيد عن ساعة واحدة،مع وجود البالغين لمساعدتهم على فهم ما يرونه.
وترى أن للأهل دورا كبيرا في متابعة الطفل عند استخدام الاجهزة والالعاب الالكترونية حيث يجب على الوالدين تغيير نظرتهم حول مفهوم التربية في الحقبة الرقمية لحماية أطفالهم وذلك من خلال: مشاركتهم اختيار الألعاب المناسبة لهم عمرياً و فكرياً و مشاركتهم اللعب بدلا من الغرباء. وكذلك تقنين ساعات اللعب بحيث لا يؤثر على تنشئتهم الاجتماعية واكتساب المهارات الحياتية مع الحرص على قضاء وقت أطول مع ابنائهم والحديث معهم والاستماع لهم وايجاد العاب أخرى غير الكترونية حتى نحدث التوازن والتنويع في الالعاب. فضلا عن تعليمهم المحافظة على الخصوصية، لحمايتهم من سرقة البيانات والمعلومات وتعليمهم احترام خصوصية الآخرين ومعلوماتهم الشخصية وعدم مشاركتها مع أي شخص والتأكيد على طلبهم المساعدة عند تعرضهم لأية مضايقة او ازعاج.